إختر عدداً من الأرشيف  
الهام فريحة

صرخةٌ مدوّية من الديمان:
أوقفوا مهزلة جمهورية الجسم بلا رأس
الطقسُ العليل الرائع في الديمان، المقر الصيفي للبطريركية المارونية، والمناظر الطبيعية الخلاَّبة التي تُذكِّر بأصالة هذا الوطن وعمقه في التاريخ، تُضفي هدوءاً على ساكني الصرح وزواره، لكنَّها في المقابل لا تعكس طمأنينة ولا ارتياحاً، فسيِّد الصرح علناً وجهراً وضمناً لا يُخفي قلقه على تحوُّل إستحقاق رئاسة الجمهورية إلى مناسبةٍ نظرية تتكرَّر مرةً كل أسبوعين أو ثلاثة، من باب رفع العتب وليس من باب النية الصادقة الجدية لإنتخاب رئيس.
لا يُخفي سيدُ الصرح ثورة الغضب عنده، فهي تتكرر في عظاته، ولا سيّما الأخيرة منها يوم الأحد الفائت، كما هي محل المداولات والمناقشات مع زواره، فما

لا يريد البطريرك الراعي أن يتقبَّله هو هذا السيل من الأَعذار الذي يُعطى له علناً وداخل الجدران الأربعة عن عدم نضوج الإستحقاق الرئاسي... هو لا يريد أن يتقبَّل أيَّ عذرٍ من هذه الأعذار:
هناك دستورٌ يجبُ أن يُطبَّق، فكيف نُقنع المواطن العادي بتطبيق القانون، حتّى قانون السير، إذا كنا لا نستطيع إقناع مَن يتولون أمر المواطن العادي بتطبيق الدستور؟
لينزل النواب إلى مجلس النواب ليختاروا الرئيس الذي يريدون، وليضعوا حدّاً لهذا الشغور المُزري والمُعيب الذي لا يرضاه عقلٌ ولا يقبله منطق.


صرخةُ البطريرك الراعي وثورة الغضب ستتدرَّج صعوداً، وهو كان بدأها يوم الأحد بسقفٍ مرتفع غير مسبوقٍ وبوضوحٍ ما بعده وضوح، فقال:
إننا نسألُ المسؤولين السياسيّين ولا سيَّما السادة النوّاب:
إلى متى يُهملون واجبَهم الدستوري الخطير والمُشرّف بإنتخاب رئيسٍ للجمهوريّة؟
إنّه الواجبُ الأوّل على مجلسِ النواب ومجلسِ الوزراء قبل أيِّ عملٍ آخر. ذلك، لكي يستقيم عملهُما، ويتمكّنا من ممارسة مسؤولياتهما التشريعيّة والإجرائيّة، التي يُحييها ويُشرّعها رئيس البلاد، تماماً كما يفعل الرأس لجميع أعضاء الجسد.
ونتساءل:
أليس صوتُ النائب في إنتخاب رئيسٍ للجمهوريّة صوتاً شخصيّاً، حرّاً، مسؤولاً، يكون في خدمة مصلحة الوطن العليا؟
فكيف يوفِّق بين هذه ومصلحةِ الكتلة النيابية التي ينتمي إليها؟
ونسأل:
هل نوابُنا الكرام في مختلف الكتل مقتنعون بعدم إنتخاب رئيس للجمهورية وبتداعياته على كلّ البلاد؟
فإذا كانوا مقتنعين، نقول لهم إنّهم يخونون وظيفتهم وقد وكّلهم المواطنون الذين انتخبوهم لهذا العمل الشريف. أمّا إذا كانوا غيرَ مقتنعين ولا يجرؤون على تحرير صوتهم، خوفاً على مصالحهم، فإنّنا نلومهم. وفي الوقت عينه نذكّرهم بواجب إعتراض الضمير وهو عدم الإلتزام بما يرَونه ضرراً للبلاد وإساءة للشعب، وتعطيلاً لمصالح الوطن.
هذه العظة ليست كلاماً في الكنيسة فقط، بل إنَّ مضمونها هو لسان حال البطريرك الراعي في لقاءاته المعلنة وغير المعلنة.


قوةُ هذه الصرخة التي يُطلقها البطريرك الراعي، كونه يرفض أن يدخل في لعبة الأسماء فجميع الموارنة أبناؤه ويعرفون مسؤولياتهم وليُنتَخَب أيٌّ منهم فلا مشكلة لديه مع أحد ولا فيتو منه على أحد، نعم مرشَّحه هو الجمهورية اللبنانية، فماذا يريدون بعد؟
كلُّ ما يريده، أن يُنتَخَب رأسٌ لهذا الجسم إذ كيف يعيش جسمٌ بلا رأس؟
ألا نكون في هذه الحال أمام جمهورية الجثَّة الهامدة؟
ماذا نريد أكثر من هذا الموت المحتَّم؟


لهذه الأسباب يواصلُ البطريرك الراعي صرخته، ولن يوقفها إلا بعد أن يرى الدخان الأبيض قد خرج من ساحة النجمة، وغير ذلك فإنَّه لن يتوقَّف عما بدأه، وفيه يقول ويتساءل:
لماذا لا يحضر جميع النواب إلى المجلس النيابيّ ويختارون مَن يشاءون رئيساً للبلاد من بين المرشّحين علناً ومن بين غير المرشّحين؟
أإلى هذا الحدّ هم عاجزون؟
وينتظرون، كالعادة، أن يُقال لهم من الخارج إسمُ الرئيس لكي يدخلوا المجلس النيابي ويدلوا بصوت غيرهم؟
لهذا، فسنعمل نحن على ما يصون الجمهوريّة اللبنانيّة، ويحمي الدولة، ويحفظ مكانها ومكانتها في الأسرتَين العربية والدولية.
لنُدقِّق جيِّداً في العبارة الأخيرة فسنعمل نحن على ما يصون الجمهورية اللبنانية. الشيء الأكيد أن صاحب الغبطة الراعي لن يترك الأمور سائبة، ولن يترك الجسم من دون رأس.
    قرأ هذا المقال   1852 مرة
غلاف هذا العدد