إختر عدداً من الأرشيف  
لبنان

نار غزة تلفح الجنوب اللبناني... ومخاوف من سيناريو 2006
الصواريخ المجهولة من الجنوب على إسرائيل تحمل أبعاداً جديدة
لم يكن ينقص لبنان إلا إستعادة الهواجس النائمة على الحدود الجنوبية مع إسرائيل. وكأن أزماته الخانقة من أمنية وسياسية وإقتصادية وإجتماعية لا تكفي للإطباق عليه في الصيف الملتهب: لا الفراغ الرئاسي المقيم ولا الفراغ المحتمل في المجلس النيابي، ولا الشلل التشريعي والتنفيذي، ولا أزمات الخلايا الإرهابية النائمة وإرتدادات الحرب في سوريا، ولا أزمة اللاجئين المتفاقمة، ولا الصراع الداخلي على التعيينات والمواقع والمؤسسات والجامعة الوطنية، ولا أزمات سلسلة الرتب والرواتب والماء والكهرباء ولا سواها...
إنفجر الوضع في غزة. وإتسع نطاق الحرب. وشنّت إسرائيل هجمات عنيفة على الفلسطينيين هناك.

فجاء الردّ رشقات من الصواريخ المجهولة من الجنوب اللبناني، على دفعتين في يومين متتاليين. وبات الجميع يخشى إستعادة السناريوهات المريرة، كما في تموز 2006، عندما ردّت إسرائيل على عملية حدودية بحملة جوية وبرية وبحرية إتسع نطاقها إلى مناطق لبنانية كثيرة، وتكبّد لبنان خلالها المليارات من الخسائر بالأملاك والمؤسسات والمرافق، عدا الضحايا من المدنيين الأبرياء. وما زال لبنان يرزح حتى اليوم تحت أعباء هذه الحرب المجانية.
وسارع لبنان الرسمي إلى حملة إتصالات دبلوماسية لتطويق الذيول التي رافقت إطلاق الصواريخ من لبنان على إسرائيل، وعدم إعطاء الذريعة لإسرائيل كي تنفّذ إعتداءات على لبنان، فيما تولَّت قوات الأمم المتحدة العاملة في الجنوب اليونيفيل بالتنسيق مع الجيش اللبناني، التقصي عن هوية مطلقي الصواريخ، وسارع الجيش إلى توقيفهم.
وكانت اليونيفيل تحسّبَت لإطلاق الصواريخ من الجنوب، ونفذت مع الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية إستنفاراً مشتركاً لمنع استخدام مجموعات متطرفة ساحة الجنوب لتعميم الفوضى الأمنية. وقالت مصادر أمنية إنّ القوى الأمنية اللبنانية، التي نجحَت أخيراً في تعقّب الانتحاريين في الداخل اللبناني، وتطويق جزء من تحرّكهم ومخطّطاتهم عبر ضربات استباقية، تمكّنت سريعاً من توقيف مطلقِي الصواريخ. وهذه سابقة مهمَّة، وهي ثمرة التعاون بين اليونيفيل والجيش اللبناني وحزب الله.
واللافت هو أن توقيف المتهم بإطلاق الصواريخ في الهبارية، الشيخ حسين عطوي، خلق سجالاً داخلياً هو الأول من نوعه بعد حادثة من هذا النوع. فعطوي ينتمي إلى الجماعة الإسلامية التي دافعت عنه وحذرت من توقيفه. ويأتي كل ذلك في جو من الإحتقان يسود طرابلس وعرسال في الخانة عينها، وفي الذكرى الأولى لحوادث عبرا وإنهاء حالة الشيخ أحمد الأسير بالتزامن مع بدء المحاكمات في الملف.
وجاء تحذير وزير الداخلية نهاد المشنوق لافتاً، إذ قال إن نجاح الدولة الإسلامية في العراق وسوريا عزز تفكير المتشددين في لبنان، ولم يستبعد حصول تفجيرات انتحارية جديدة في البلاد. وقال: لا بد من الاعتراف بأن ما حدث في العراق تسبب بنشوة كبيرة عند هذه المجموعات.
وفي هذه الأجواء، كانت لوزير الداخلية توقعات سلبية على صعيد الإستحقاقات الدستورية العالقة. فرأى أن لبنان باقٍ بلا رئيس للجمهورية، ما لا يقل عن ستة أشهر. وقال: الإنتخابات الرئاسية هي قرار إقليمي ودور غير متوافر حتى الآن، ولن يكون متوافراً في المدى القريب. فالمسألة ليست محلية على الاطلاق، بل مرتبطة بالتطورات التي تجري في المنطقة، كوضع العراق والمفاوضات الأميركية - الإيرانية واحتمال المفاوضات السعودية - الإيرانية وسواها. وفي المقياس عينه، رأى المشنوق أن من الممكن تقنياً إجراء الانتخابات النيابية، ولكن الأمر صعب سياسياً.
كل هذه الأجواء تثير القلق في لبنان. فإزدياد الترابط بين الملفين الداخلي والخارجي يدفع بلبنان ليكون رهينة الصراع الإقليمي الكبير، خلافاً للجهود التي بذلتها القوى الداخلية على طاولة الحوار وأقرت بنتيجتها حياد لبنان، في الورقة المسماة إعلان بعبدا. وكل ما يجري اليوم يهدّد بإعادة إستخدام لبنان كمادة في الصراع أو كساحة قتال أو صندوق بريد.
فهل في قدرة لبنان الصغير بمساحته وعدد سكانه أن يتحمل الضغوط والتشققات التي سيفرضها عليه الصراع الإقليمي، أم ينهار تحت وطأتها؟
ماذا جرى على الحدود اللبنانية الجنوبية؟
فيما كانت الحرب في ذروتها في غزّة، قامت مجموعة أصولية، السبت 12 تموز/يوليو، بإطلاق صواريخ كاتيوشا من منطقة مرجعيون - حاصبيا، داخل الأراضي اللبنانية، باتّجاه شمال إسرائيل التي ردّت بقصف أطراف بلدات كفرشوبا وحلتا والمجيدية بأكثر من 25 قذيفة مدفعية، فيما عطّلت مخابرات الجيش صاروخين كانا مُعَدَّين للإطلاق من منطقة حدودية.
واعتقلت شعبة المعلومات في قوى الامن الداخلي، المدعو س. ح. ابو قيس من بلدة الهبارية، على خلفية اطلاق الصواريخ الى داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة، وصودرت سيارته من نوع رابيد حمراء، وعثر في داخلها على بقع دماء، يعتقد انها تخص الشخص الذي اطلق الصواريخ وقد اصيب.
وعلى الفور، إستبعَد مسؤولون عسكريون إسرائيليون أن يكون حزب الله وراء العملية، وإعتبروا أن لا مصلحة للحزب على الإطلاق بالدخول في مواجهة مع إسرائيل، وكانت لافتةً سرعة الأجهزة الامنية في التمكّن من توقيف شخصين أطلقا الصواريخ.
وسيّر الجيش دوريات في المنطقة بالتنسيق مع قوّات اليونيفيل التي وضعت عناصرها في أقصى درجات الإستنفار.
وفي اليوم التالي، قامت مجموعة أخرى بإطلاق رشق صاروخي من سهل رأس العين، قرب مخيم الرشيدية، في قضاء صور، في إتجاه الأراضي المحتلة. وردَّت إسرائيل بقذائف عدة على القرى الحدودية. لكن اللافت هو صدور بيان محلي يَدَّعي تبنّي كتائب القسام إطلاق الكاتيوشا. ما طرح أسئلة عن التداعيات المحتملة لهذا الأمر، إذا ثبت وجود مجموعة لهذا الجناح العسكري، لجهة تفجير الوضع الحدودي مع لبنان كلما إنفجر الوضع في غزة.
ولاحقاً، عثر الجيش اللبناني على المنصة التي تم اطلاق الصواريخ منها في منطقة سهل رأس العين. كما عثر في المكان على قنبلة غير منفجرة.

التوتر محسوب
وقالت مصادر دبلوماسية غربية إن الأمر لم يكن مستبعداً. فالخطط التي لجأت اليها وحدات الجيش والقوات الدولية فور ارتفاع نسبة التوتر في غزة كانت تحسّباً لعمليات من هذا النوع، ما دفعهما إلى اتخاذ تدابير إستثنائية أدّت الى تحديد مصادر إطلاق الصواريخ في اقلّ من ثلاث ساعات، وصولاً الى مرحلة توقيف مُطلقيها.
ولفتت المصادر الى انّ القوات الدولية أدّت دوراً كبيراً في حصر بؤرة التوتر ومنع امتدادها في الجنوب جرّاء إقتناعها بحرص لبنان على الحفاظ على الهدوء في الجنوب، عملاً بمقتضيات القرارات الدولية، ولا سيما القرار 1701 الذي صدر في تاريخ 12 آب/اغسطس عقب حرب تموز 2006.
وأضافت المصادر انّ ما جرى لن يؤدي الى اي تغييرات امنية او عسكرية دراماتيكية في الجنوب اللبناني. فالإتصالات التي تلاحقت ادّت الى اعتبار ما حصل حادثاً خارج إدارة الطرفين على جانبي الحدود، في معزل عن الاستعدادات اللبنانية والإسرائيلية للتوجّه الى مجلس الأمن الدولي وتقديم شكوى متبادلة بين الطرفين.

طرابلس وعرسال
وتزامن القلق الجنوبي مع توتر شهدته مدينة طرابلس بدأ بعد ورود معلومات عن تدهور الوضع الصحي لقائد أحد محاور المدينة سابقاً زياد علوكي، إثر إصابته بعارض صحي نقل على اثره من سجن رومية إلى المستشفى لتلقي العلاج. فتمّ قطع طرق في المدينة والقاء قنابل واشعال اطارات. وعمل الجيش اللبناني والقوى الأمنية على ضبط الأوضاع وإعادة فتح الطرق.
وعلوكي واحد من مجموعة مساجين من طرابلس بدأوا اضراباً عن الطعام، احتجاجاً على توقيفهم، وجرى نقل بعضهم إلى المستشفى.
وسارت مجموعات شبابية غاضبة في مسيرات عدة في عدد من مناطق المدينة، وخصوصاً باب التبانة ومحيطها، مطالبة باطلاق سراح الموقوفين، كما تمّ قطع أوتوستراد طرابلس الرئيسي عند دوار أبو علي في الإتجاهين بالإطارات المشتعل، وأحصي القاء 27 قنبلة في مجرى النهر بالتوازي مع اطلاق أعيرة نارية. وأوضح مصدر عسكري أن رماة القنابل في النهر أصبحوا معروفين بالاسماء، الا ان الجيش ينتظر امتصاص غضب الشارع قبل القيام بمداهمات وتوقيف المشتبه بهم.
وبينما لا يزال تحرّك أهالي الموقوفين الإسلاميين وقادة المحاور في طرابلس مستمراً، برز تطور قضائي تمثّل في طلب قاضي التحقيق العسكري الأول رياض ابو غيدا عقوبة الإعدام للأمين العام للحزب العربي رفعت علي عيد وأربعة من قادة المحاور التابعين له لتأليفهم عصابة مسلّحة بهدف القيام بأعمال إرهابية وإطلاق النار على الجيش، ولا بد من أن يشكّل هذا القرار تنفيساً للاحتقان في الشارع الطرابلسي الذي وصل إلى ذروته في الأيام الأخيرة نتيجة عوامل عدة، من بينها التأخير في البَتّ بالملف المتصِل بجولات القتال بين باب التبانة وجبل محسن.

إشتباكات حساسة في عرسال
أما في عرسال، فثمة قلق بعد المعلومات التي تحدثت عن أنشطة يقوم بها أفراد يشتبه بإنتمائهم إلى داعش. فقد ألقى الجيش القبض على شخصين متهمين بنقل أسلحة ومخدرات من سوريا إلى لبنان، وينتميان إلى هذا التنظيم. وأقدم بعض المسلحين على تصفية مواطن عرسالي يقال إنه كان توعدهم بالإنتقام منهم على إثر إغتيالهم أحد أولاده. وتتوارد أخبار عن تجاوزات في البلدة يرتكبها المحسوبون على جهات متطرفة.
وإندلعت إشتباكات عنيفة وحساسة في نهاية الأسبوع بين حزب الله ومسلحين من البلدة. وأعلنت مصادر قريبة من الحزب أن هؤلاء حاولوا شنَّ هجوم على بلدتي يونين ونحلة الشيعيتين، فجرى التصدي لهم ما أوقع خمسة قتلى من الحزب وقرابة الثلاثين من المهاجمين.
وأشارت المصادر إلى أن هجوم المسلحين المعارضين على جرود البلدتين أتى على خلفية الضربات التي تلقوها في الجهة السورية من الجبال الحدودية. وقالت إن هجومهم كان كبيراً، لكن الحزب استوعب الوضع وشنّ هجوماً مضاداً طارد فيه المسلحين نحو جرود عرسال. ولفتت المصادر إلى أن المسلحين حاولوا التقدم إلى مناطق في جرود عرسال الورد إلى الجنوب الشرقي لبلدة عرسال.

الثامن إلى البقاع الشمالي
وفي الإطار عينه، كشفت مصادر واسعة الإطلاع انّ قيادة الجيش نقلت اللواء الثامن من منطقة الجنوب بعد التنسيق مع القوات الدولية ليتولى تعزيز الإجراءات الأمنية في البقاع الشمالي والحدود اللبنانية - السورية تحديداً. فانتشر الى جانب فَوْج الحدود والفَوج المجوقل في المنطقة المواجهة للحدود السورية، بهدف منع تسلل المسلحين السوريين الى الأراضي اللبنانية، بعد إقفال عشرات المعابر غير الشرعية بين سوريا ولبنان، استكمالاً لإقفال الجيش السوري وحزب الله المعابر.

مخاوف أسيرية
وفي الموازاة، توقفت مصادر سياسية عند الحملة العنيفة التي شنها الشيخ الفار احمد الأسير، من مكان وجوده المجهول، على تيار المستقبل وزعيمه الرئيس سعد الحريري، عشية انطلاق المحاكمات لعشرات الموقوفين في ملف احداث عبرا، بعد سنة تماماً من العملية العسكرية التي أطاحت ظاهرة الأسير.
ولم تسقط المصادر احتمالات يبدو ان الجهات الامنية تتحسب لها وتتعلق بإمكان قيام منظمات اصولية يرتبط بها الأسير بمحاولات ارهابية للضغط على المحاكمات. وإذا كان الأسير لم يوجه في رسائله الالكترونية او المسجلة تهديدات علنية مباشرة، فان هجماته العنيفة على المستقبل وضربه على الخاصرة السنية بدا بمثابة تهديدات مبطنة لم تَخفَ على الجهات المعنية، التي تملك معطيات عن ارتباطات الأسير بمجموعة عبدالله عزام خصوصاً.
وتكشف المصادر ان الايام الاخيرة، وبمعزل عن قضية الأسير والمحاكمات، شهدت تطورات جديدة في رفع وتيرة التهديدات من جهات أصولية لبعض المسؤولين السياسيين والأمنيين البارزين على خلفية واقع سجن رومية الذي يحتل الأولوية المطلقة في الإجراءات الاحترازية تحسباً لعملية ارهابية كبيرة محتملة داخل السجن .
وإذا كان بعض المصادر الإعلامية تحدث عن بعض الاحتمالات التي يجري التحسب لها كمثل خطف عسكريين لمبادلتهم بالسجناء الإسلاميين في سجن رومية، فان المعلومات المتوافرة تشير الى ان التهديدات التي أبلغت الى جهات مسؤولة اكتسبت طابعاً شديد الجدية. ويجري التعامل معها بكثير من الدراية والحزم والتحسب لعمليات ارهابية او محاولات اغتيال.

حذر في السفارة الأميركية
وتشهد السفارة الاميركية في لبنان حالة من التأهب بسبب الوضع الراهن محلياً واقليمياً. وفي خطوة لافتة تمّ الغاء عطلات المسؤولين الأمنيّين في السفارة، وجرى إستدعاؤهم لكي يلتحقوا بعملهم من دون أن يعرف سبب هذا الإجراء وخلفيّاته. كما استدعت السفارة كامل فريقها الأمني ليكون على جهوزيّة تامّة في الأيّام المقبلة.
وقد ظهر جليّاً في الايام الاخيرة تدني حركة الزيارات والنشاطات التي يقوم بها السفير الأميركي في لبنان دايفيد هيل تزامناً مع تضاعف الإجراءات الأمنيّة المحيطة بالسفارة.

وخارطة حمراء للبريطانيين
وأما السفارة البريطانية في لبنان فنشرت خارطة أمنية تحذيرية لرعاياها، بدلاً من الخارطة السياحيّة، بهدف تجنيب مواطنيها مخاطر التجول في لبنان.
وتتضمّن الخارطة مختلف المواقع التي يمكن لرعاياها زيارتها وتلك التي عليهم تجنّبها. ولفتت السفارة في بيان إلى أنّ الوضع الأمني يمكن أن يتدهور بسرعة في لبنان، طالبة من مواطنيها تجنّب المناطق التي تعّمها التظاهرات والبقاء على اطلاع على التطورات واتباع النصائح الأمنيّة المحليّة.
وحذّرت السفارة من التهديد الإرهابي الكبير ومن خطر الهجمات التي قد ترتكبها المجموعات الإسلامية المتطرفة التي لا تميّز أحداً والتي قد تستهدف السلطات الأمنيّة اللبنانيّة وحواجزها. كذلك، دعت الرعايا إلى تفادي الأماكن التي يقصدها السيّاح الأجانب كالفنادق، المطاعم، المعالم السياحيّة والمجمّعات التجاريّة والمتاجر.
أما المناطق التي نشرت على الخارطة والتي طلبت السفارة تجنّب زيارتها فهي الآتية: طرابلس، المخيّمات الفلسطينيّة، الحدود السوريّة الشماليّة والبقاعيّة، منطقة الهرمل بما فيها عرسال وبعلبك، المناطق الواقعة ضمن سهل البقاع، صيدا، جنوب الليطاني والضاحية الجنوبيّة لبيروت.

الانتخابات مؤجلة
إذاً، فالكلمة في لبنان عادت للأمن لا للسياسة ولا للإستحقاقات الدستورية. والهواجس الأمنية هي الشغل الشاغل للمعنيين في الأسابيع والأشهر المقبلة. فالأمن أولوية في لبنان. ومن هنا، يصبح منطقياً قول الوزير المشنوق إن لا إنتخابات رئاسية قبل ستة أشهر، وأما الإنتخابات النيابية التي سيدخل لبنان في إستحقاق التحضير لها دستورياً فلا مشكلة تقنية فيها، بل سياسية.
وفي تقدير النائب وليد جنبلاط أنه بات من الملحّ والضروري اليوم، وأكثر من اي وقت مضى، التمسّك بحدودنا القائمة في الوقت التي تشهد فيه المنطقة اعادة ترسيم للحدود بين الدول على قواعد جديدة مغايرة للقواعد التي اعتمدت في الحقبات السابقة. ورأى أن لا مفرّ من خروج جميع المتورطين في سوريا عاجلاً أم آجلاً، لما لذلك من نتائج وانعكاسات سلبيّة على لبنان في ضوء الاشتعال الاقليمي المتصاعد، مع تأكيد اعادة الاعتبار، على رغم كل الصعاب، لسياسة النأي بالنفس التي قد تكون الوحيدة الكفيلة في تلافي غرق لبنان في المزيد من المخاطر الأمنية والسياسية.

المؤتمر التأسيسي؟
وفي المبدأ، يجب أن تؤدي الهواجس الإقليمية والمخاوف الأمنية إلى تسريع إنتخاب رئيس للجمهورية، تجنباً لصدمة خطرة في لبنان. لكن ما يحصل هو العكس. كما أن القلق من تعطيل الإنتخابات النيابية وإحتمال حصول فراغ نيابي بعد الفراغ الرئاسي، خلال أشهر قليلة، يُفتَرض أن يُسرِّع إنتخاب رئيس للجمهورية ضمن الفترة القليلة التي يبقى فيها المجلس النيابي شرعياً.
لكن ما يحصل هو العكس، ما يدفع إلى التساؤل عن وجود نية مبيّتة للوصول إلى الفوضى الدستورية الشاملة، بما لها من إنعكاسات على الملفات الأمنية والإجتماعية والإقتصادية، ما يؤدي ربما إلى إنفجار شامل.
وبناء على ذلك، ثمة إقتناع بأن القوى التي تعمَّدت تعطيل الجلسات الإنتخابية في مجلس النواب، رسمت خطة متماسكة للمرحلة التالية لا تقتصر على المجيء برئيس للجمهورية، بل تتجاوزه إلى رسم معادلة جديدة للسلطة في لبنان. ففي الحدّ الأدنى، هي تذهب إلى دوحة جديدة، أو طائف جديد، وفي الأقصى قد تطرح المؤتمر التأسيسي. وهذا الأمر سيكون سهل التحقيق إذا عمّت الفوضى السياسية - الدستورية، مع تعطيل إنتخابات الرئاسة والمجلس النيابي وإمكان إسقاط الحكومة الحالية بإنسحاب ثلث أعضائها.
وهذا ما يبرّر المخاوف في أوساط عدة من تطورات دراماتيكية على الصعيد الأمني تسرِّع إنجاز التسويات على طريقة ما جرى في أيار 2008.
ويقول البعض إن حزب الله سيعمد لاحقاً إلى طرح الأسماء التي يرتاح إليها لرئاسة الجمهورية، تاركاً لفريق 14 آذار أن يختار واحداً منها. وهكذا يضمن أن الرئيس الآتي لن يكون معاكساً له ولتوجهاته الإستراتيجية، من موضوع السلاح إلى الملف السوري إلى سواهما.
فالإنتخابات الرئاسية اللبنانية أصبحت جزءاً من صراع الدوَل. ويقول المثل اللبناني القديم: عند تغيير الدول إحفظ رأسك! لكن زعماء في لبنان يطمحون فقط إلى أن يحفظوا رؤوسهم وحدهم... ولو أطاحوا برأس لبنان!

قلِّعوا شوككم بأيديكم!
ويعني تراكم الأزمات الإقليمية أن لبنان سيدخل في دائرة النسيان لدى الدول التي لطالما رعت التسويات فيه، بحيث لا يكون لديها الوقت أو القدرة على التلفُّت الى الخارج للنظر في ملفاته. وكلُّ دولةٍ ستنهمك بتقليع شوكها بأيديها. وسيجدُ لبنان نفسَهُ أمام خيارٍ واحد، وهو أن يُقلِّع شوكه بيديه.
وترى مصادر سياسية أن لبنان لم يخرج من ثقافة الإتكالية. فبعض سياسييه وزعمائه ومسؤوليه لا يحرك ساكناً في إنتظار كلمة السرّ أو الوحي. ولكن هل مِن أحدٍ ينتظر صوت الضمير؟
    قرأ هذا المقال   1633 مرة
غلاف هذا العدد