إختر عدداً من الأرشيف  
لبنان

التحالف الدولي يتفرَّج... على عين العرب!
تبدو حملة التحالف الدولي على داعش أشبه بضرب فيل بورقة موز. في الأساس هو لا يكاد يحسّ بها... ولكنه عندما ينزعج منها سيلتفت إلى الورقة... ويأكلها!
لا أحد من الباحثين وكبار المحلّلين يعتقد بأن بضع ضربات جوية متفرقة على بعض مواقع ل داعش، في العراق وسوريا، يمكن أن تنهي هذا التنظيم. فهو يزداد نمواً ويكتسح مزيداً من المساحات، خصوصاً في سوريا، ويكدّس الأسلحة الحديثة في ترسانته، بالمصادرة من الثكن العسكرية التي يستولي عليها وتلك التي يتم تسليمها له طوعاً وربما يكون بعضها من نوع الأسلحة المحظورة دولياً. كما ترتفع موازنته المالية بالمصادرات من كل نوع، وبالإنتاج الزراعي والصناعي والكميات الهائلة من النفط التي يبيعها في السوق السوداء... حتى لأعدائه والمجتمع الدولي الذي ينظّم اليوم حملته الجوية الدونكيشوتية!
العديد من التحليلات الجدية يتقاطع حول إقتناع واحد، هو أن داعش جسمٌ إصطناعي جرى إختلاقه لتمرير المخططات الكبرى التي تنتظر الشرق الأوسط، والتي كان الربيع العربي فاتحة لها. وهذا الجسم لم يكن يجد الطريق إلى إثبات نفسه لولا تقاطع العديد من المصالح، بين قوى إقليمية ودولية، بعضها متصارع.
ويمكن في أي لحظة أن يقرِّر الذين أوجدوا داعش إسقاطها وإنهاءها. لكن

ذلك يمكن أن يحصل عندما يقرِّر هؤلاء جميعاً، وبناء على تقاطع المصالح أيضاً، أن يتخلصوا من هذا التنظيم. ولكن، ثمة مَن يطرح سؤالاً واقعياً: هل إن إعادة المارد إلى القمقم سهلة كما كان إخراجه منه؟
وفي عبارة أكثر وضوحاً: إن داعش التي تعملقت تدريجاً بالمال والسلاح والمساحات الجغرافية لم تعد ذلك التنظيم الصغير والمحصور، الذي يمكن إسكاته أو إسقاطه بكلمة تأتيه من القوى التي خلقته. لقد أصبحت له القدرة على إتخاذ القرارات ضمن هامش أوسع. ويمكن أن يتم إنهاؤه في اللحظة المناسبة، كما إستيقظ في لحظة مناسبة، لكن ذلك لن يكون في السهولة إياها.
فماذا ينتظر داعش من إستحقاقات في لعبة الخرائط الشرق أوسطية، وماذا ينتظر شعوبَ الشرق الأوسط ودولَه من إستحقاقاتٍ يراد لها أن تتحقَّق ب فضل داعش؟!
الزمن يمشي سريعاً في الشرق الأوسط. وقد لا يكون إنتظار الآتي بعيداً.
ثمة مَن يقرأ الحملة الدولية على داعش بإعتبارها مسرحية لا أكثر، وأبطالها مكشوفون.
ولعل ما يجري اليوم في كردستان السورية هو الإثبات الأبرز. فلا أحد يجيب عن السؤال الآتي: كيف ل داعش أن تقتحم أجزاء واسعة من هذه المنطقة، وأن تستولي على مدينة إستراتيجية هي عين العرب كوباني الكردية، في ظل الحملة المزعومة على التنظيم؟
وبالأحرى، إذا كانت داعش قادرة على تحقيق الإنجازات فيما هي تتعرّض لهذا الضغط العسكري الدولي - الإقليمي، فكيف هو الحال لو كانت تهاجم كردستان السورية من دون ضغط عسكري جوّي؟
وما الفائدة أساساً من ضربات جوّية يشنّها التحالف، ما لم تُرفَق بعمليات عسكرية برّية، فيما كل القواعد العسكرية تؤكد أن أياً من التجارب السابقة من هذا النوع لم تكن مجدية، بل على طريقة كل ضربة لا تميتني تقوّيني.

مقومات داعش بالأرقام...
ليست هناك تقديرات دقيقة لموارد داعش المالية. لكن صحيفة لوموند الفرنسية قدّرتها بما بين 1.5 و2.3 ملياري دولار سنوياً. وهذه الأرقام لا تشمل الثروة النفطية التي وضعت داعش يدها عليها في العراق وسوريا، ولا السلاح الذي يقال إنها تتلقاه من دول إقليمية.
وأما صحيفة لوفيغارو الفرنسية فتقسم موارد داعش إلى أبواب عدة أبرزها:
- التبرعات والهبّات التي يقوم بها بعض المناصرين الأغنياء من دول إقليمية، عبر تحويلات مالية، تمرّ عبر المصارف الأميركية، لكون معظمها تحويلات بالدولار الأميركي.
- المساعدات المالية المقدّمة من بعض الحكومات، في شكل هبات إلى بعض المنظمات الخيرية، إضافة إلى الأسلحة التي تمرُّ عبر بعض الحدود مباشرة.
- الأموال التي تضع داعش يدها عليها بعد إستيلائها على مراكز معينة. ومن ذلك مبلغ ال 425 مليون دولار التي سطت عليها من المصرف المركزي العراقي في الموصل.
- الأموال الناتجة من بيع النفط من الآبار الواقعة تحت السيطرة في العراق وسوريا، ويزيد عددها عن إحدى عشرة.
ويعتقد بعض الخبراء العسكريين أن الموارد المالية التي تحتاجها منظمة في حجم داعش تقدّر بمئات الملايين من الدولارات سنوياً. وداعش نجحت في تأمين ما يلزم لدفع رواتب عناصرها لسنوات.
وإذ تضمّ داعش نحو 30 ألف عنصر، وفقاً للإستخبارات الأميركية، فهذا يعني أنها قادرة على تسديد راتب شهري يُوازي 5000 دولار أميركي لكل عنصر يقاتل في صفوفها. علماً أن المعلومات المتوافرة تشير إلى أن العنصر الداعشي المقاتل في سوريا يتقاضى نحو 400 دولار إذا كان سورياً، وأما إذا كان من جنسية أخرى فيرتفع أجره الشهري إلى نحو 700 دولار أميركي.
ويقول بعض الخبراء إن داعش أصبحت من أغنى التنظيمات المسلحة في العالم، بعد سيطرتها على ثلث مساحة سوريا، ونصف مساحة العراق تقريباً.
وتقول وكالة الأناضول التركية، إن التقديرات للإيرادات التي تستطيع داعش أن تجنيها من الأماكن التي تسيطر عليها ليست ثابتة. ففيما يقول خبراء ومسؤولون إنها شهرياً ما بين ثلاثة ملايين وخمسة ملايين دولار، يعتقد آخرون أن الحقول النفطية التي تسيطر عليها تستطيع وحدها أن توفّر دخلاً يراوح ما بين مليون ومليوني دولار يومياً. وفي كل الأحوال، بات مؤكداً أن داعش قادرة على الإستمرار من دون تمويل من الخارج.
ويقول الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هاشم الهاشمي للوكالة إن النفط يهرَّب من حقول سوريا، من دير الزور والمنطقة الشرقية. كما يستولي التنظيم في العراق على آبار الموصل كحقل عين زالة والنجمة والكيارة وبئرَيْ محافظة صلاح الدين وديالى في عجيل وحمرين. وتمكّنت داعش من سحب كميات كبيرة من النفط في المستودعات الحكومية في منطقة حمام العليل جنوب الموصل.
وفي إعتقاد مدير معهد العراق للطاقة لؤي الخطيب أن داعش لا تسيطر على حقول مؤثّرة للنفط في العراق، ولكن ما لديها يكفيها لتتموَّل ذاتياً. ورأى أن التنظيم قادر على جمع نحو 730 مليون دولار سنوياً.
وفي الموازاة سيطرت داعش على ما يقارب خمس المساحات المزروعة بالقمح في العراق، إضافة إلى مخازن الحبوب في سهل نينوى. كما تستثمر مزارع تربية الأسماك في منطقة البحيرات في بابل.
وتفرض داعش رسوماً وضرائب وخوّات على كبار رجال الاعمال في الموصل وشركات الهاتف المحمول. كما فرضت جزية على المسيحيين الذين رفضوا مغادرة المدينة وأصحاب المحال والتجار وتقدر تلك الأموال بنحو 850 ألف دولار شهرياً.
ووفقاً للباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون في واشنطن بول سوليفان إن التنظيم استطاع أن يجني أموالا عن طريق إبتزاز الشركات المحلية العاملة في نطاق سيطرته. وقدّر سوليفان في تصريحات نشرتها صحيفة تيليغراف البريطانية تلك الأموال بنحو 5 ملايين جنيه استرليني شهرياً. وقال: إن الرهائن الذين يختطفهم التنظيم هم أيضاً مصدر تمويل كبير. فخلال العام الماضي تمكن من جمع نحو 40 مليون جنيه إسترليني من الفدية التي طلبها لإطلاق الرهائن الأجانب.
وأما محاصرة التنظيم دولياً، خصوصاً بعد صدور قرار من مجلس الأمن بقطع التمويل عنه، فقد تؤثّر على قدرته على جمع الأموال، ولا سيما أنه يبيع النفط بأسعار متهاودة. لكنها ليست كفيلة بقطع شرايين القوة له. ويهدف قرار مجلس الأمن إلى قطع الإمدادات البشرية والمالية عن داعش. وينص على نزع سلاحه وتفكيكه في سوريا والعراق، إضافة إلى جبهة النصرة والتنظيمات الأخرى ذات الصلة بتنظيم القاعدة.

إتساع الرقعة الجغرافية
في الموازاة، تتسع الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها داعش في العراق وسوريا.
تسيطر داعش على الجزء الأكبر من شمال سوريا بدءاً من الحدود مع تركيا عند مدينة منبج جنوباً وحتى مدينة اكجاكال التركية الواقعة على الحدود شمالاً، وحتى مدينة البوكمال الواقعة على الحدود مع العراق. ويشتد هجوم داعش للسيطرة على المنطقة الكردية في سوريا. وتعتبر كوباني في وضع شبه الساقطة عسكرياً، فيما يخوض المقاتلون الأكراد صراعاً حيوياً لعدم سقوط مناطقه.
أما في العراق، فيسيطر التنظيم على مساحة شاسعة غرب البلاد تمتد إلى مدينة الموصل في الشمال مروراً بمدن كركوك وبيجي وتكريت وسامراء والفلوجة إلى الجنوب على مقربة من العاصمة.
وإمعاناً في إزالة الحدود بين سوريا والعراق، أعلنت داعش ولاية الفرات، على مجرى النهر بين البوكمال السورية والقائم العراقية، كجزء من دولة الإسلام في العراق وسوريا.
إذاً، عملياً، ومن الموصل إلى الرقّة، رسمت داعش حدود دولتها، فيما أصدقاؤها المفترضون وأعداؤها المفترضون، على السواء، دعموها أو يدعمونها، مداورة، وكلٌ على طريقته.
وواشنطن لا تقوم بأي عمل جدّي لإسقاط داعش - الدولة داخل حدودها، بل هي تُسدّد ضربات إلى داعش - التنظيم ليلتزم حدوده. وثمة من يعتقد أن الرئيس باراك أوباما، بقصد منه أو بغير قصد، يساهم في تنفيذ مشروع قديم لإعادة رسم الخرائط في الشرق الأوسط. ويقول البعض: سيأتي يومٌ تنكشف فيه الخرافات وأدوار الأقربين والأبعدين في أسطورة داعش.

لماذا تُرِكَ أكراد سوريا؟
ولعلّ ما يجري في عين عرب، كوباني، الكردية السورية هو المعيار الأبرز لجدية عمل التحالف. فلماذا سارعت القوات الاميركية، قبل أسابيع، الى وَقف هجوم داعش على أربيل، بعدما بلغت مشارفها، وأوقفت هجوم داعش على جبل سنجار لحماية الأزيديين، فيما كوباني متروكة لمصيرها؟ ونُقل عن أوساط عربية متابعة تساؤلها: لماذا لا ينقذ التحالف بلدة عين عرب الإستراتيجية، والتي إعتبرها الفرنسيون خلال حكمهم لسوريا مركزاً لقضاء كبير يضمّ 44 قرية؟
ولماذا تباطؤ قوات التحالف في القيام بقصف فاعل وحاسم لتجمّعات داعش حول المداخل الشرقية والغربية والجنوبية لعين عرب، على رغم أنّ الحشود الداعشية مستمرة منذ أسبوعين، وأنّ مئات الآلاف من سكانها فرّوا في اتجاه تركيا وغيرها.
وتحاول هذه الشخصية تفسير تلكؤ واشنطن وحلفائها من خلال إحتمالات عدة:
- فهل هي رغبة واشنطن في تأديب حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي اليساري النزعة الذي رفض دوماً أن يكون جزءاً من أطُر معارضة الخارج السورية التي كان يُشرف عليها السفير الاميركي السابق في دمشق روبرت فورد، وكان لرَفض الاتّحاد آنذاك أسباب عدّة، أوّلها حرصه على عدم استبعاد أيّ طرف من أطراف المعارضة السورية عن هذه الأطر، ولا سيما منها هيئة التنسيق التي كان ركناً أساسيّاً من أركانها. معلوم أن هذا الحزب يخشى هَيمنة الحكومة التركية على هذه المعارضة، فيما لا يزال الأب الروحي للحركة الكردية في تركيا عبدالله اوجلان مسجوناً.
أم إنّ واشنطن تستخدم هجوم داعش على كوباني وَرقة في التفاوض مع تركيا نفسها، أو مع حكومة اردوغان عينها؟ فإذا لم تتجاوب هذه الحكومة مع كلّ ما تطلبه منها الادارة الاميركية، فإنّ هذه الادارة لا تمانع في سقوط المدينة الكردية في يد داعش التي تصبح حينها مُمسِكة بشريط واسع من الحدود بين سوريا وتركيا، وبالتالي تشكّل ضغطاً كبيراً على حكومة اردوغان.
أم إنّ واشنطن تريد توجيه رسالة إلى حزب الإتحاد الكردي وحزب العمال بضرورة الإنفتاح على الغرب، كما رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني، كشرط لتلقي المساعدة؟
لكنّ كل هذه الاحتمالات لن تُعفي واشنطن من المسؤولية في حال سقوط كوباني في يد داعش. وإذا فشل التحالف في إنقاذ المدينة، فإنه سيطرح شكوكاً حقيقية حول ما إذا كانت واشنطن تستخدم داعش لغايات سياسية.

الغموض التركي
وإعتبر عضو مجلس الشيوخ الأميركي ليندسي غراهام إن الخطة التي تتبعها الولايات المتحدة الأميركية لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام أو ما يُعرف ب داعش لن تعمل.
وقال غراهام، الذي يشغل منصب عضو في اللجنة العسكرية التابعة للكونغرس: أعتقد أنه تم احتواء داعش بعض الشيء بعد ضربها في سوريا للحد من تأثيرها في العراق. وتابع كلما انتشر فيروس الإيبولا في أفريقيا، أصبحنا أكثر عرضة للخطر. وهو الأمر ذاته بالنسبة للتطرف في الشرق الأوسط. وعلى ما يبدو فإن الرئيس مستعد تماماً في ما يتعلق بوباء الإيبولا، في الوقت الذي لدينا نصف الإجراءات فقط فيما يلزم ملف مواجهة داعش. وهذا الأمر الذي لن يؤدي إلى هزيمة التنظيم ستترتب عليه أمور كثيرة. فكلما إزدادت قوة داعش في الشرق الأوسط، كنا في خطر أكبر واعتقد أن أغلب الأميركيين يعلمون أنه إذا لم نقم بتدمير داعش، فإننا سنكون بأمان أقل. وفي النهاية، لا يمكننا أن نهزم داعش في سوريا من دون قوات برية.
وبقي موقف أنقرة مترجرجاً أيضاً. وحدّد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو موقف بلاده إزاء هذه الأزمة، وقال: إننا نعارض تنظيم الدولة الإسلامية ونظام الرئيس السوري بشار الأسد على حد سواء.
وكانت القيادة التركية قد رفضت في البداية إبراز موقفها من الحرب على داعش، معلنة أن ذلك يعود إلى حرصها على أرواح رهائنها لدى التنظيم. لكن وبعدما تم إطلاق سراح الرهائن، أعلنت تركيا استعدادها للمشاركة في التحالف، كما حصلت حكومة أحمد داود أوغلو على تفويض من البرلمان.
ووضع الأتراك شروطاً للمشاركة في التحالف ضد داعش، منها المطالبة بتشكيل منطقة عازلة داخل الأراضي السورية. وجاء ذلك على لسان أكثر من شخصية تركية بينهم الرئيس رجب طيب أردوغان. كما اعتبر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن من غير الواقعي التفكير بأن تقوم تركيا وحدها بالتدخل العسكري البري ضد التنظيم، فيما التحالف يسدد ضربات من الجو.

لا قرار بالتدخل البري
وفيما إيران متضررة من توسُّع نفوذ داعش في العراق وسوريا على حساب حلفائها، تميَّز موقفها بالحذر من التحالف الدولي ضد داعش. وأعلنت طهران عبر رئيسها أنها تشارك الجهد الدولي، شرط جدية واشنطن في محاربة الإرهاب، أي أن دعم الأنظمة والتنسيق معها في المواجهة: الرئيس بشّار الأسد في سوريا وحكومة بغداد. وبعد مؤتمر جدة، ثم مؤتمر باريس، إزدادت هواجس الإيرانيين من إستهداف حلفائهم في الطريق لإستهداف داعش. وجدير بالذكر أن طهران لم تُدعَ إلى حضور المؤتمرين. وأشار مسؤول إيراني إلى أن واشنطن سعت من خلال بعثات طهران الديبلوماسية إلى طلب مشاركتها في الحملة على داعش. لكن الأميركيين نفوا ذلك، قبل أن يلمحوا إلى حصوله.
وأعربت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية، مرضية أفخم، عن أسفها لما وصفته ب تجاهل المجتمع الدولي لما يحدث في العراق وسوريا. وقالت إن التحالف الذي يتولى مسؤولية في مكافحة داعش، أطلق بأدائه يد هذه الجماعة أكثر، لممارسة نشاطاتها في شكل واسع في المنطقة.
مصادر سياسية في موسكو تؤكّد أنّ أياً من الدول الغربية لم تتّخذ قراراً بالدخول برّياً في سوريا، وترجّح استحالة اتّخاذ قرارات مشابهة بعد تجربتَي افغانستان والعراق. وتكشف هذه المصادر عن اتصالات سرّية عبر وسطاء بين دمشق وبعض الدوائر الغربية، بهدف إيجاد صيغة للقضاء على البؤر الإرهابية من دون تعاون علني ومباشر.
وتقول المصادر إنّها لمسَت من خلال اتصالاتها مع المسؤولين الروس أنّ موسكو ستبقى ثابتة على مواقفها، وأنّها لن تنجَرَّ إلى محاولات وضعِها في زاوية الامر الواقع، وأنّها ستبقى مساهماً أساسياً وفاعلاً في الحرب على الإرهاب، ولكن عبر تقديم المساعدات العسكرية والإستخباراتية للحكومات التي تواجه الحركات الارهابية على أراضيها، على رغم الضغوط التي تُمارَس عليها في أكثر من ملف، أكان في أوكرانيا أو على المستويين الاقتصادي والسياسي داخلياً.


إسرائيل خائفة من داعش أم لا؟
فيما ينظر الكثيرون إلى حقيقة موقف إسرائيل من ظاهرة داعش وتقدير البعض أنها خائفة من هذا التنظيم، كان لافتاً أن صحيفة هآرتس الإسرائيلية لم تخفِ إرتياحها إلى موقف تنظيم الدولة الإسلامية خلال الحرب الأخيرة على غزة.
وتحت عنوان داعش غير معنية بقتال اليهود، قالت الصحيفة إن هناك قائمة طويلة بالقادة العرب الذين وضعهم تنظيم داعش كأهداف له، ومن بينهم رؤساء وملوك وقيادات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين. وأما اليهود وإسرائيل فليسوا على رأس هذه القائمة.
وأضافت في الوقت الذي تضرب فيه إسرائيل قطاع غزة، شيء رائع أن نعرف أن هناك على الأقل تنظيماً إسلامياً واحداً لم يسارع إلى تهديد إسرائيل، وهو تنظيم داعش. وإن حالة من الدهشة والتساؤلات انتشرت على شبكة الانترنت بسبب عدم محاربة داعش لإسرائيل بدلاً من قتال المسلمين في العراق وسوريا.
وكان تنظيم داعش برّر في ردّه على التساؤلات: لماذا لا يقاتل التنظيم إسرائيل فيما هو يقاتل أبناء العراق وسوريا، قائلاً: المنافقون أشد خطراً من الكافرين الأصليين. ولن تتحرر القدس حتى نتخلص من هؤلاء الأصنام، وكل هذه العوائل والبيادق التي عينها الإستعمار والتي تتحكم بمصير العالم الإسلامي.

لبنان في روزنامة داعش؟
في خارطة دولة الخلافة، يقع لبنان على الجانب الغربي من بلاد الشام. فالدولة هي دولة العراق والشام. ولكن ثمة من يقول إنه لولا تَدَخُّل فئات من اللبنانيين في الصراع السوري لما بدأت داعش والنصرة وأخواتها تقرع الباب اللبناني من الهرمل وتستفزّ الجيش وتهاجم حزب الله وتلعب بأمن لبنان وإستقراره.
وهناك نظريات وسيناريوهات مختلفة في هذا الشأن. ففريق 8 آذار يجزم أن داعش كانت ستنفّذ مخططاتها ضد لبنان، ولو لم يتدخل حزب الله في سوريا، بل إن هذا التنظيم كان سيجد الساحة فارغة أمامه لدخول لبنان لولا إصطدامه بالجيش وحزب الله. ومن هنا، وفقاً لمصادر 8 آذار، كان مناسباً دخول الحزب إلى سوريا وخوضه المعركة الإستباقية!
في أي حال، وفي معزل عن الجدل، هناك أسئلة حول طريقة سيطرة داعش على مناطق في القلمون السورية، ما أتاح ل داعش أن تطلق معركتها في لبنان، عبر عرسال. ومعركة تحرير القلمون التي تهدِّد داعش بإنطلاقها قريباً، ربما ستكون لها ترددات لبنانية. وما جرى في بريتال من مواجهات بين داعش والحزب يؤشر إلى ذلك.
ويمكن التأمل جيِّداً في تحذيرات يطلقها ذوو العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى داعش، وإنعكاساتها المحتملة لتبرير مجريات ميدانية دراماتيكية في هذه المنطقة وسواها، ستفرز متغيِّرات على الأرض. والأرجح أن حزب الله سيواجه داعش ولن يتيح لها إكتساح بعض البقاع أو الشمال. وهو يطمح ربما إلى حصول عكس ذلك.

مخاوف من تفجير شامل
وتعتقد مصادر سياسية أن داعش والنصرة والتنظيمات الرديفة لن تقفل جبهة الهرمل - القلمون، بل هي تستعدّ لفتح جبهة أخرى في العرقوب. ويخشى محلِّلون من مخطط لإغراق حزب الله على أرضه، لإضعاف دوره في الحرب السورية... ولو إقتضى ذلك تفجير لبنان.
فليس واضحاً كيف إندلعت معركة عرسال الأخيرة. هل جاءت بمبادرة من داعش والنصرة، في محاولة لتعطيل دور الجيش اللبناني في المنطقة، بحيث يتمكن التنظيمان من الإستفراد بها وبأهلها، فتتحوَّل قاعدة جهادية قوية - بسكانها الذين باتوا بغالبيتهم سوريين لا لبنانيين - مفتوحة في شكل آمن على القلمون؟ أم إنها بمثابة ضربة إستباقية نفَّذها الجيش، ويؤيِّدها حزب الله؟
المعلومات في هذا الشأن متناقضة. لكن المؤكد هو أن داعش والنصرة تعملان على بناء قواعد لهما في مناطق عدة من لبنان، في سياق مخطط لإثبات الحضور، وللردّ على حزب الله في عقر داره. والأحرى أن التنظيمين يريدان إشغال الحزب في مستنقع لبناني مُتعِب ودموي، بحيث يصبح في حاجة إلى تلقّي الدعم، بدلاً من تصدير فائض قوته اللبنانية إلى سوريا.
ويقول خبراء: لذلك، خطف التنظيمان جنوداً للجيش اللبناني بهدف فتح باب المساومات مع السلطة الرسمية، المعروفة علاقاتُها الطيِّبة مع النظام السوري وتغطيتُها ل حزب الله في لعبة الدخول إلى سوريا، ولمجمل حالة الحزب الأمنية والعسكرية.
والمشكلة مع داعش والنصرة هي أنهما قد تطلقان العسكريين مقابل ثمنٍ ما، لكنهما قادرتان في أي لحظة على إرتكاب عمليات خطف جديدة والمطالبة بدفع أثمان جديدة. فلبنان ليس محصّناً، لا أمنياً ولا إجتماعياً، لمواجهة هذا النوع من النشاط الشبيه بالعمل المافيوي لأسباب يدركها المعنيون جيّداً.
لكن الإستهداف ال داعشي - النصراوي المباشر يراد منه حزب الله في الدرجة الأولى. فالتنظيمان يتعاطيان مع الجيش اللبناني بوصفه وكيلاً، وفي أفضل الأحوال حليفاً، ل الحزب.
في البداية، جرى إستهداف الضاحية بعبوات تحذيرية، لكن الحزب لم يتراجع. ثم إرتفع السقف إلى عمليات إنتحارية في الضاحية وبعلبك- الهرمل فلم يتراجع أيضاً. ومع عرسال، إزداد إصرار الحزب على التمسُّك بمشروعية إنخراطه في سوريا. وعندئذٍ، جرى فتح جبهة مباشرة في بريتال. وهناك ملامح شيءٍ ما يجري تحضيره في منطقة العرقوب، وتؤكده إستعدادات غير مسبوقة للتنظيمات والحزب هناك، على حدّ سواء.
هذا يعني أن داعش والنصرة ستضغطان على الحزب مباشرة، ومن خلال الجيش، حيث تستطيعان على إمتداد الحدود اللبنانية - السورية، من الهرمل إلى شبعا. ومع إقتراب موسم الثلوج، سيستعجل التنظيمان معركتهما في جرود الهرمل، إستباقاً للعوائق الطبيعية المتوقَّعة. فالشتاء الفائت كان إستثنائياً جداً، وغابت ثلوجُه عن المنطقة في شكل شبه كامل. لكن الشتاء الآتي قد يقطع شرايين العبور في جرود الهرمل والقلمون لأشهر عدة.
وسيكون كارثياً أن تُصرَّ داعش والنُصرة على مواجهة الدولة اللبنانية وحزب الله، بإستخدام كل الوسائل المتاحة. فذلك يعني في الدرجة الأولى إحتمال لجوئهما إلى تنفيذ المخطَّط الذي حذّر منه قائد الجيش العماد جان قهوجي، أي التمدُّد إلى عكار والسيطرة على منفذ بحري في لبنان الشمالي. وفي الدرجة الثانية، قد يعني ذلك إيقاظ الخلايا النائمة في مناطق مختلفة، لتقوم بتنفيذ عمليات إرهابية جديدة.
ومن شأن السهر على الأمن، الذي يشغل الجيش والأجهزة الأمنية، أن يعطِّل جزءاً كبيراً من مخطط الإرهابيين، لكن أي جيش أو جهاز أمني، في أكثر دول العالم مناعةً وقوة، لا يضمن الأمن في شكل واثقٍ وتامّ، وعلى كامل الرقعة الجغرافية.
وهكذا، سيكون مرتفعاً مستوى الخوف على لبنان في المرحلة المقبلة، لأن الجيش والقوى الأمنية وحزب الله وسائر المعنيين سيكونون أمام تحدٍّ حيوي، بل مصيري. وستكون هناك مواجهة بين مخططَيْن إثنين للسيطرة، ولا مهادنة بينهما.
وسيكون على المؤمنين ب قَدَرِية الإطمئنان إلى المظلّة الدولية - الإقليمية الدائمة في تأمين صيانةٍ مؤكدة للبنان، أن يتأمَّلوا جيِّداً في ما يقدِّمه الأميركيون وشركاؤهم للأكراد المنكوبين في عين العرب... وعلى عين العرب!

نهاية سايكس - بيكو!
وفي الخلاصة، تبدو دولة داعش مركونةٌ كشاحنةٍ موبوءة الحمولة، في بورة بين دويلات الأكراد والشيعة والعلويين وربما سُنَّة الإعتدال. ولن تحظى بمنفذ على البحر، كي لا تلوِّث أحداً. ووظيفة هذه الدولة هي ذبح سايكس - بيكو من الوريد إلى الوريد وقطع رأسها قبل أن تبلغ عامها المئة. ويمكن أن يجري إنهاء داعش عندما تنهي وظيفتها، تماماً كما أي حجر شطرنج آخر على الرقعة الشرق أوسطية.
وحتى ذلك الوقت، لن تنهزم داعش في عقر دارها. وموازنتها المشبعة بالنفط وموارد أخرى كفيلة بإيجاد شبه دولة. وسيُدَوْزِن الأميركيون حدود ضرباتهم ل الدولة عند حدودها الجغرافية المرسومة، بحيث يصبح منطقياً السؤال: عندما يضرب الأميركيون داعش، إذا حاولت تجاوز حدودها، ألا يبدو ذلك وكأنهم يحرسون هذه الحدود... وداعش في داخلها؟
    قرأ هذا المقال   2287 مرة
غلاف هذا العدد