إختر عدداً من الأرشيف  
لبنان

في مؤتمر بمركز عصام فارس عن تكوين السلطة بعد ربع قرن على الطائف
النائب مروان حماده:
علة الطائف وكل نظام عطلّلي تعطلّك
عقد مركز عصام فارس مؤتمراً تحت عنوان: تكوين السلطة بعد ربع قرن على اتفاق الطائف، وتحدث في المؤتمر النائب مروان حماده، الذي رافق عملية تطبيق الطائف منذ اول انتخابات نيابية، بعد الحرب الأهلية، في العام ١٩٩٢. اي بعد سنتين من ادخال الاصلاحات التي تضمنتها وثيقة الوفاق الوطني الطائف في الدستور اللبناني.
والنائب حماده يتحدث عن موضوع الطائف وتطبيقه من موقع العارف والمشارك بفعالية في كل المراحل السياسية التي تقلبت فيها الاوضاع السياسية السلطوية في البلد، وتقلد العديد من الحقائب الوزارية الاساسية، وعندما يتحدث عما جرى في هذه المراحل ما بين العام ١٩٩٢ واليوم، فانه يعتبر مرجعاً يمكن الأخذ في معظم طروحاته اذا لم يكن كلها كحقيقة ثابتة.
اللبنانيون يتداولون في الكثير من المعلومات والتطورات التي مرت في تلك المرحلة، ولكن اخذ الامور من مراجعها، قد يكون أهم من اخذها منقولة: بقلم عن لسان، لأن ناقل الكفر ليس بكافر، ولكن حديث المرجع الصالح مسؤولية تقع على المرجع. والسرد الذي قدمه النائب مروان حماده في محاضرته التي ألقاها في مؤتمر مركز عصام فارس عن الطائف الذي عقد بعد ظهر يوم الثلاثاء الماضي، كان سرداً دقيقاً لبعض ما في جعبة المحاضر. وهو لديه جعبة مليئة بأسرار الحكم، الذي ادار البلد خلال الحقبة التي تحدث عنها النائب حماده والتي قد تكشف في يوم ملائم لكشف الحقائق...


وفي ما يلي نص المحاضرة التي ألقاها النائب مروان حماده في المؤتمر:

دقائق التطبيق
عند ما نقارب السلطة الاجرائية في ثغراتها وانتاجيتها بعد ربع قرن من اقرار اتفاق الطائف، ثم ترجمة الوثيقة بتعديلات دستورية، واخيراً تطبيق الدستور المعدّل خلال فترات النفوذ المتعاقبة وموازين القوى المتقلّبة لا بد من ان نسجل الدقائق التالية:
أولاً: ان وثيقة الوفاق الوطني اللبناني تناولت في أوسع عملياتها الاصلاحية السلطة الاجرائية تحديداً، أي صلاحيات رئيس الجمهورية، فصلاحيات رئيس مجلس الوزراء، ثم صلاحيات مجلس الوزراء الذي انتقلت اليه مجتمعةً وبأغلبيات حرة او موصوفة اثقال اساسية من السلطة، وأخيراً الوزير الذي اضحى شخصية محورية لم يعد من حيث المبدأ مجرد ساع الى رضى الرئيسين، اللهم الا في لحظة تشكيل الحكومة، فيما يتحول بعدها الى كهيرب حر أي electron libre يتحرك في كل اتجاه على طاولة الشطرنج بعد الحد من هيمنة الملك والملكة.
ثانياً: ان اعادة توزيع السلطات وتصويب تفاصيل ادائها اخذ على مدى خمس وعشرين سنة اشكالاً متفاوتة في دقة احترام النصوص وخضع في معظم الأحيان الى موازين القوى في السياسة وفي النيابة وفي ميادين القوة نفوذاً وسلاحاً.
ثالثاً: ان مرحلة صقل وترويض الروداج ان صح التعبير لم تنته حتى الآن، مما يجعل من الصعب اطلاق احكام نهائية على الانتاجية او على الثغرات، الا بشكل جزئي ومبعثر يُغلُّبُ الانتاجية احياناً وقليلاً، في حين تغيب هذه في معظم الأحيان مظهرة الثغرات وفاتحة الباب امام صيحات التعديل العشوائية، حتى قبل استكمال التجربة وخصوصاً قبل تطبيق البنود غير المنفّذة من اتفاق ابتكره أصحابه كلاً متجانساً وتصرف به مطبقوه نتفاً واجزاءً متنافرة.
الازمة الحقيقية، التي نتحدث عنها، في تكوين السلطة بعد الطائف هي أزمة عدم تكوينها بتاتاً في قسمها من الإصلاحات، وتغليب أجزاء منها على المكونات الاخرى في القسم المنفذ منها. فغالباً ما استفادت سلطة الوصاية من دخول المسيحيين الى الاتفاق منقسمين متناحرين متقاتلين لتعميم مناخ الهزيمة العسكرية التي لم تقع، بين اللبنانيين على الأقل، وشعور الاحباط السياسي الذي يتحمل لبنانيون من الطرفين مسؤولية تغذيته وتعميقه.
طبعاً نحن لا نأتي الى هذا المركز، مركز عصام فارس، مركز الشخص الذي عمل ويعمل على توسيع رقعة الحوار ومساحات المعالجة العلمية المجردة لاطلاق التهم وتوزيع المسؤوليات، الامر الذي لا نقصّر فيه في مواقع أخرى، انما لمحاولة ترميم وتطوير نظام أُقر شرعياً في العام ١٩٨٩ بعد أربعة عشر عاماً من الحرب الاهلية وسنة كاملة من اغتصاب السلطة ومئتي الف قتيل، ولا نريد ولن نسمح بمعاودة المؤامرة القاتلة مهما حلت للبعض المغشوش في قوته الآنية أو في تحالفاته العابرة.

ايها السادة،
فصل الاصلاحات في السلطة الاجرائية احتل ثلثي وثيقة الوفاق الوطني مفصّلاً الصلاحيات، حتى في تفاصيلها، الامر الذي يستوجب منا للامانة اعادة قراءة هادئة وموضوعية للنصوص وابحاراً في الاسباب والنوايا والموجبات التي حملت السلطة التشريعية آنذاك الى اتخاذ قرارات مفصلية لنسأل السيد حسين عن المحاضر، حان وقت نشرها اهمها تثبيت مفهوم العيش المشترك، تحديد نهائية الكيان والانتماء، توصيف الديمقراطية البرلمانية واعتماد المناصفة بشكل قاطع. تحت هذه المظلة يبدو توزيع الصلاحيات في السلطة الاجرائية منطقياً، اذا ساد في تطبيقها المنطق وليس التشبيح. ما أُعطي للوزير ونزع من حق الرئيس لا يصحح باعادة حق تعطيلي للرئيس، انما بنزع هذا الحق التعطيلي من الوزير. اما المبادىء الاخرى التي تتحكم بالسلطة الاجرائية الجماعية لمجلس الوزراء فتبقى صحيحة الا في غياب رئيس للجمهورية. الطائف لم ينطلق ولم يبنَ على فرضية سوء النية السائدة حالياً، بل طرح مخارج منطقية لاشخاص منطقيين وقبل كل شيء وطنيين، يغلّبون المصلحة العامة على اعتبارات المناكفة الشخصية او الحزبية او المذهبية او الطائفية. لم يبنَ اتفاق الطائف على مبدأ عطلّلي تعطلّك.
والامثلة على ذلك كبيرة:
- الاكثريات الموصوفة ضرورية في الامور المصيرية. لكن شلّها بوزير ملك او حصان طروادة ومنع تبلور اكثرية ولو بالقوة مغاير لمنطق الديمقراطية ولنص الدستور.
- جعل الوزير شريكا ومسؤولا من الضرورات: لكن تحويله الى جزء او كسر من رئيس مغاير لمنطق الديمقراطية وهرطقة دستورية.
- الالغاء العملي لصفة العجلة على القوانين المحالة تكبيل لقدرات مجلس الوزراء في تعاطيه مع مجلس النواب.
- غياب الرقابة البرلمانية مثل التشريع الانتقائي تعطيل للسلطتين الاجرائية والنيابية على حد سواء.
- الادعاء بأن حكومات الاتحاد الوطني فرض دائم على الحياة السياسية فيما اقتصر الواجب على حكومة التأسيس الاولى، تعطيل للسلطة الاجرائية في قيامها وفي عملها وفي استمرارها وفي رحيلها.
الامثلة تكثر، الا انها تدل جميعها على ان اتفاق الطائف بريء من دم هؤلاء الصديقين الذين يسطون على الدولة ومؤسساتها. للاسف في تقويمنا، اليوم، للانتاجية والثغرات نسجل تعطيل سوريا الاسد للنص وللتوقيت المكبل مبدئيا لحضورها في الحجم والمكان والمدة. نسجل ايضا تعطيل دول الصندوق العربي للدعم المفترض باستثناء السعودية والكويت لعملية اعادة الاعمار، مما رتب علينا ديونا باهظة. نسجل ايضا واخيرا تعطيل المجتمع الدولي لمهمة مراقبة ومواكبة تطبيق الاتفاق في بنوده واستحقاقاته كما كان مقررا ومفترضا. ان التخاذل امام تنفيذ بنود اللامركزية الادارية وصياغة قانون انتخاب عصري واطلاق عملية الاعداد لالغاء تدريجي للطائفية السياسية وتأسيس مجلس للشيوخ واستكمال نزع سلاح الميليشيات، كل الميليشيات لا يقع على اتفاق الطائف لا نصا ولا روحا. ازمة السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية والعسكرية والامنية لا يحاسب عليها نص ابتكر الكثير من الاصلاحات فأنشأ مجلسا دستوريا لا يعمل ومجلسا اقتصاديا واجتماعيا لا يعين، ومجلسا للدفاع لا يضع سياسة دفاعية.
المحاسبة ليست للنص، بل للذين اختطفوه او للذين عطلوه وللزعران المستمرين على تشويهه.
لنعود اذن الى اتفاق الطائف، الى توازناته الصحيحة فلا نسقط الهيكل على رؤوسنا جميعا.

    قرأ هذا المقال   1762 مرة
غلاف هذا العدد