إختر عدداً من الأرشيف  
لبنان

المجلس النيابي نجا بنفسه... فمتى إنقاذ الرئاسة؟
هل التمديد للمجلس يكرِّس الجمود أم يمهِّد لكسر الحلقة المفرغة؟
بعد جلسة التمديد الثاني للمجلس النيابي، وقف النائب سليمان فرنجيه أمام الصحافيين ليقول: سنرى لاحقاً هل إن الذين عارضوا اليوم هذا التمديد سيثبتون على مواقفهم أم سيعترفون بالمجلس في ما بعد؟
في هذا الكلام يكمن عمق المشكلة التي أثارها التمديد في بعض الأوساط. فالعديد من القوى المعترضة سيجد نفسه لاحقاً أمام الإعتراف الإضطراري بالمجلس الممدَّدة ولايته حتى 20 حزيران/يونيو 2017، أي بما يجعل مجموع الولايتين الممدَّدتين، السابقة والحالية، أربع سنوات كاملة ولاية كاملة ممدَّدة.
فليس في مقدور أي قوة سياسية، واقعياً، أن تتنكَّر لشرعية المجلس الحالي، لأن البديل هو الفوضى. والمرشحون للإنتخابات الرئاسية سيحتاجون إلى هذه الشرعية ليبرِّروا إستمرار ترشحهم، وإلا فإنهم يفقدون أي أمل بالوصول إلى بعبدا. كما أن المجلس النيابي سيبقى وحده القادر على التشريع، أياً تكن مواقف البعض اليوم من هذه المسألة في ظل عدم إنتخاب رئيس للجمهورية. والمجلس هو المؤسسة الوحيدة التي تتمثّل فيها الكتل السياسية كلها.
ولذلك، إن أياً من الكتل التي عارضت التمديد أو قاطعته، ككتكل التغيير والإصلاح أو الكتائب، لم يقدِّم نوابها إستقالاتهم من المجلس. ما يعني أن الباب ما زال مفتوحاً للمخارج. وأما الطعن المفترض بقانون التمديد فهو على الأرجح سيبقى شكلياً، فلا مجال لإسقاط التمديد تحت أي ذريعة.
وقد تكون هناك قوى راغبة فعلاً في التمديد لمصالح سياسية، لكن الجميع

يعلن الذهاب إليه في شكل إضطراري وقاهر، لتعذُّر توافر الأمن المطلوب لإجراء الإنتخابات النيابية، ولعدم التوافق على قانون جديد للإنتخابات. ولذلك، إختلط الحابل بالنابل، ولم يعد واضحاً مَن أراد التمديد وسعى إليه كخيار سياسي أول ومَن ذهب إليه مضطراً.
والتمديد خطوة غير شعبية في لبنان الذي كان سبّاقاً على مستوى العالم العربي بإجراء انتخابات دورية نيابية ورئاسية. ولكن ما فرض التمديد هو عدم انتخاب رئيس للجمهورية والإشكالات الدستورية التي يمكن أن تنجم عن انتخابات نيابية في ظلّ الفراغ الرئاسي، خصوصاً لجهة الاستشارات لتكليف رئيس للحكومة، إضافة إلى الوضع الأمني الدقيق والحاجة إلى تفريغ الجيش وقوى الأمن في كلّ لبنان، في ظلّ تحدّيات أمنية في طرابلس وعرسال وغيرهما. فقد كان الخيار بين الفراغ والتمديد، لا بين الانتخاب والتمديد. ومعظم القوى السياسية أكدت أنها ليست مستعدّة لإدخال لبنان في المجهول، في مرحلة تشهد حروباً في المنطقة وانهيارَ أنظمةٍ وتبدّلات وتحولات ومخاطر وجودية.
ولذلك، فالتمديد كان الخيار الواقعي. ولكنّ التحدّي الأساسي اليوم هو في تحويل هذا التمديد من تمديد للوضع القائم إلى تغيير هذا الوضع، بدءاً من انتخاب رئيس للجمهورية، مروراً بالتوصّل إلى قانون انتخاب جديد في سياق الدعوة التي وجّهها رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى اللجنة النيابية المكلّفة درسَ قانون الانتخاب إلى الاجتماع مجدّداً، وصولاً إلى إجراء انتخابات نيابية في أقرب فترة ممكنة، وذلك بعد انتخاب الرئيس وإنجاز القانون.

اتفاق الضرورة
وتقول مصادر سياسية: إذا كان اتفاق الطائف، بعد توقيعِه، قد صنّفته المرجعيات الروحية والسياسية بأنّه اتّفاق الضرورة، فإنّ التمديد اليوم، وفقَ معظم الطبقة السياسية، هو تمديد الضرورة تجنّباً للفراغ، وبالتالي المجهول والفوضى.
والسؤال المطروح هو: بعد التمديد، هل دخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة، أم إنّ مرحلة ما بعدَ التمديد تشكّل استمراراً لما قبله؟ وهل التمديد لسنتين وسبعة أشهر لمجلس النواب يشكّل تمديداً للحكومة والفراغ الرئاسي، أم إنّ الأمور مقبلة على حراك منتج في ملف الرئاسة، في ضوء تطوّرات خارجية ستفرض نفسها في التوقيت والظرف المناسبين؟
حتى اليوم، المبادرات تأتي من جهة 14 آذار لإنهاء الفراغ في الموقع الرئاسي. ودعا الرئيس سعد الحريري، في نهاية الشهر الفائت، الى المباشرة فوراً في إطلاق مشاورات وطنية للاتفاق على رئيس جديد للجمهورية وإنهاء الفراغ في موقع الرئاسة الاولى، ولكن أحداً من المعنيين لم يستجب إلى المبادرة.
والجلسة الأخيرة التي كان مفترضاً أن تأتي برئيس جديد للبلاد إنتهت بالفشل كسابقاتها، بسبب مقاطعة العماد ميشال عون وحزب الله وعدم إكتمال النصاب. والأمل معقود على الجلسة المقبلة، في 19 الجاري، مع أنه أمل ضعيف على الأرجح. فالنيات التعطيلية تبدو قائمة.
وفي تقدير مصادر سياسية، إن هناك تطوّرات إقليمية قد تكون إيجابية، وبدأَ المعنيون بالاستحقاق الرئاسي يتوسّمون منها أن تساعد على تأمين توافق داخليّ يُنتج انتخابَ الرئيس العتيد، في مهلةٍ أقصاها نهاية السنة. وهذه التطورات قد تدفع الأفرقاء الإقليميين إلى مبادرات إزاء لبنان كنتيجة لتوافقات ستحصل بينهم حول أزمات المنطقة وحدود أدوارهم فيها. ومن هذه التطورات محادثات إيران ومجموعة 51 التي إنطلقت في مسقط حول الملف النووي الإيراني، عشية إنتهاء المهلة المعطاة لطهران في 24 الجاري.
وفيما زار الرئيس سعد الحريري عمّان وإلتقى الملك عبدالله الثاني، وقد تكون له إطلالة إعلامية قريباً تردَّد أنها ربما تحمل كلاماً جديداً، أعلن العماد ميشال عون أن حواره مع الرئيس الحريري حول رئاسة الجمهورية توقف. وإعتبر عون أن هناك فيتو إقليمياً عليه. وشدد على أنه ليس مستعداً للبحث في إسم آخر للرئاسة، مشيراً الى أن الخروج من الواقع المقفل، يكون بواحد من الخيارات الآتية: إجراء انتخابات نيابية تليها الرئاسية، او تعديل الدستور لإفساح المجال امام انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، وفي هذه الحال سيكون لدينا رئيس الاسبوع المقبل، أو إنجاز تسوية وطنية يتولى المجلس الحالي تظهيرها، مع التشديد على أن أي تسوية لا يمكن ان تتحقق من دون التسليم بوجوب انتخاب رئيس يملك حيثية شعبية.

مفارقات سياسية
إذاً، على وقع تحرّكات احتجاجية مدنية خجولة رفضاً له، سلكَ التمديد النيابي طريقه، بعدما أقرّ المجلس النيابي قانون التمديد المعجّل مدّة سنتين و7 أشهر حتى حزيران/يونيو 2017، وتأمّنت له صفة الميثاقية مع انضمام القوات اللبنانية الى داعمي التمديد. فحصل القانون على غالبية 95 نائباً توزّعوا على مختلف الكتل، من أصل 97 حضروا. وفي مقدّم المؤيدين كتلُ المستقبل والمردة والتنمية والتحرير والوفاء للمقاومة وكتلة النائب وليد جنبلاط، إضافة الى نواب مسيحيين مستقلين.
وقد برّرت هذه القوى تصويتها لمصلحة التمديد بمنعِ الوقوع في الفراغ على مستوى السلطة، فيما صوَّت ضد القانون نائبا الطاشناق: أغوب بقرادونيان وأرتور نظاريان. وقاطعَ الجلسة نواب الكتائب والتيار الوطني الحر الذي أعلن انّ وزراءَه في الحكومة لن يوقّعوا على مرسوم إقرار قانون التمديد.
وقد أضيفت الى قرار التمديد فقرة مفادُها: بعد انتخاب رئيس للجمهورية، وبعد الإتفاق على قانون إنتخابات جديد، وإذا زالت الظروف الإستثنائية عندها تقصّر مهلة المجلس الممدَّدة وتجرى إنتخابات نيابية.
وأظهرت وقائع جلسة التمديد مفارقات سياسية، ومنها:
1 - تمايز ظاهريّ بين التيار الوطني الحر وحليفه المسيحي تيار المرَدة.
2 - تمايُز آخر بين التيار وحليفه الأرمني الطاشناق الذي إختار الحضور والتصويت رفضاً وليس المقاطعة.
3 - تناغُم بين التيار والكتائب لا يُعرَف إذا كان سيُهيّئ لتقارب سياسي.
4 - تقارُب القوّات مع النواب المسيحيين المستقلّين.
5- الوعد الشفهي الذي أطلقَه الرئيس نبيه برّي من على منصّة رئاسة المجلس، بأنّ المهلة التي سيعطيها للجنةٍ تدرس قانون الانتخابات ستكون شهراً فقط، على أن يحيل بعدها كلّ القوانين إلى التصويت.
فهل يتحقّق وعد رئيس المجلس ويُنجَزُ قانونٌ جديدٌ للانتخابات النيابية بعد شهر من اليوم، ممهّداً الطريق أمام بداية التسويات والحلول؟ أم سيُضطر إلى التمديد للشهر، ما سيقود إلى مزيد من الفراغ؟
وأما البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي فجدَّد معارضته للتمديد قائلاً من سيدني إنّ التمديد يُعتبر في الأنظمة الديمقراطية غيرَ شرعيّ وغير دستوري.
وعبّر السفير الاميركي ديفيد هيل عن قلقه الشديد إزاء شلل المؤسسات السياسية في لبنان، والذي بدأ بالفشل في انتخاب رئيس في شهر أيار/مايو الماضي. وقال: نحن نأسف لأنّ تكون احدى النتائج المهمّة للفراغ الرئاسي، هي القرار بتأجيل الانتخابات النيابية وتمديد ولاية البرلمان مرّة أخرى.

جبهة الرابية - معراب
وما إن تحوّل التمديد واقعاً حتى اشتعلت جبهة الرابية معراب. فالنائب ميشال عون تابعَ من الرابية مع أعضاء في التكتّل وقائعَ جلسة التمديد. وقال الوزير جبران باسيل: هذا الموضوع تكمن خطورته في أنّه قد يتكرّر. ومن الممكن أن نعيش مجدّداً تجربة 1972 لغاية 1992. واتّهم القوات بخرقِ الإجماع المسيحي مجدّداً، وقال: في الماضي القريب لدينا ثلاث تجارب معها: الاتفاق على قانون اللقاء الأرثوذكسي ثمّ الخروج عنه، والخروج عن الأكثرية المسيحية في 2005 و2009، والخروج اليوم عن الأكثرية المسيحية.
وعقد رئيس حزب القوات الدكتور سمير جعجع مؤتمراً صحافياً دافعَ فيه عن التصويت لمصلحة التمديد، شارحاً الأسباب التي دفعتها لذلك. وشنّ حملة عنيفة على عون، وقال: إنه يخوض حروباً فاشلة دائماً، والمسؤولية في النهاية تتحملها القوات، والمناطق المسيحية الحرّة لم تسقط إلا بعد مجيء عون وبطولاته الوهمية.
واعتبر أنّ هدف التكتل من وراء تعطيل الاستحقاق الرئاسي تغيير النظام برُمّته. وذكر أنّ التكتل ترك البلد 5 أشهر من أجل مرشّحه، واليوم يتباكى على التمديد، وهو كان جزءاً مما حصل.
وقالت مصادر القوات إنّ المشكلة مع عون ما زالت نفسها منذ العام 1988، وهي إمّا التسليم بطموحه الرئاسي أو يحرق البلد. وهو إنقلب فَورَ عودته من المنفى على كلّ الشعارات التي رفعَها، واستطراداً على خطّه السياسي.

النصاب الميثاقي
وفي تقدير مصادر سياسية مواكبة، إن التمديد كان سيحصل، أياً كان الأمر، وفي أي شكل من أشكال الميثاقية. فالقرار متَّخذ بإقراره، وهو جزء من التوافق المرحلي بين القوى المحلية والإقليمية، وليس فيه مكان لالدلع المسيحي. وإذ تكفَّلت القوات اللبنانية بتوفير النصاب الميثاقي، فهي لم تفعل سوى تسهيل الإخراج... ضمن الحدّ الأدنى من وجع الرأس الطائفي!
والإنطباع بأن موقف القوات هو الذي منع الوصول إلى نهاية العالم، أي الفراغ الشامل والمؤتمر التأسيسي، قد يكون مبالغاً فيه. ففي العمق، يجدر طرح بعض الأسئلة، وأبرزها:
- هل العاملون الجدّيون للتمديد، على المستويين المحلي والإقليمي، والمعنيون إقليمياً ودولياً بإدارة اللعبة الداخلية، كانوا يكتفون بالمراهنة على موقف القوات لضمان تمرير مشروعهم؟
وماذا لو إستمرَّ حزب القوات في رفضه للتمديد على غرار العماد عون أو حزب الكتائب؟ هل كان مسموحاً أن تطير التسوية المحلية - الإقليمية بسبب المسيحيين، علماً أن التسويات المرحلية، في مناسبات سابقة، لم تأخذ بآراء أحد منهم، لا الذين في 8 ولا 14 آذار ولا بكركي: من قانون اللقاء الأرثوذكسي إلى التمديد الأول للمجلس... وصولاً إلى التمديد الثاني. وأما رئاسة الجمهورية فيتكفَّل المسيحيون أنفسهم بإضاعتها!
لذلك، فاللعبة أكبر من أي حزب أو فريق مسيحي. وفيما جرى التهافت على بكركي للسؤال في ملف الرئاسة، جرى اليوم تجاوز رأيها الرافض للتمديد. وكان لافتاً تجاوز موقف العماد عون، حليف الرئيس نبيه بري في 8 آذار، والإكتفاء بالميثاقية التي تؤمّنها القوات.
فالتمديد للمجلس النيابي هو خيار مرحلي أوعزت إليه القوى الدولية والإقليمية المعنية. والتركيبة اللبنانية الحالية مطلوب إستمرارها، والمجلس أحد ركائزها. ولا يستقيم الحكم في أي لحظة من دون سلطة تشريعية، فيما يمكن القبول لفترة معينة بالبقاء بلا رئيس أصيل للجمهورية، والإستعاضة عنه بالوكيل أي مجلس الوزراء مجتمعاً.
ومن هنا السكوت الضمني للمرجعيات الدولية، والبعثات الدبلوماسية، على تمرير خيار التمديد بالحدّ الأدنى من الإنتقاد، ولو كان الخيار غير ديمقراطي من الناحية المبدئية.
ووجد جعجع نفسه أمام أهون الشرّين. ومرة أخرى، لعبت القوات دور أم الصبي لمنع الخراب، وتجرَّعت كأس التمديد لئلا يتجرَّع البلد كأس الفراغ. وأما الضرر الذي سيصيب القوات من هذا الخيار غير الشعبي فهو محصور نسبياً، لأن لا إنتخابات نيابية حتى العام 2017، ولا خوف من مفاعيل إنعكاسه على الشعبية القواتية.

حجم التغطية
في الدرجة الأولى، كان المطلوب إقناع أكبر الكتل المسيحية، ولا سيما كتل عون وجعجع والجميل وفرنجيه، تحت غطاء بكركي، بالمشاركة في التمديد لتوفير التغطية الميثاقية. ولكن، جرى الإكتفاء بتغطية أكثر تواضعاً. ولو لم تتوافر تغطية القوات، لكانت تغطية فرنجيه وسائر النواب المسيحيين كافية. والرئيس بري لم يعلن إشتراطه تصويت أحد الحزبين الكبيرين التيار الوطني الحرّ والقوات لو لم يكن قد ضمن حضور القوات والتصويت.
أما العماد عون، فقد تلقّى الرسالة عشية جلسة التمديد. فحليفه، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، إختار التوقيت المناسب لكي يبقَّ البحصة التي كان يخبئها طوال عامين أو أكثر، وقال: عون هو مرشحنا. وهذه جائزة ترضية قدَّمها الحزب لعون عشية التمديد، على غرار جوائز الترضية في كل المناسبات التي تمّ فيها تجاوز الجنرال منذ الدوحة 2008. لكنها شيكات بلا رصيد!
وربما إرتاحت الرابية إلى هذا الموقف ظاهرياً. لكنها تُشارِك البعض تشكيكَهم. فالكثيرون يعتقدون أن تبنّي الحزب ترشيح عون، في ظل إنعدام الفرص لإنتخابه، قد يكون الخطوة الأولى لإحراقه، إما بإضاعة الإنتخابات إلى أجلٍ غير محدَّد، وإما تسهيل الإتفاق على الرئيس - التسوية.
وفي الخلاصة، جاء التمديد ليضع المسيحيين مرّة جديدة أمام إستحقاق حاسم: هل ما زال لهم دورٌ في صناعة التسويات؟ فالمطلوب منهم أداء دور الديك ليكونوا شهوداً على طلوع النهار. ولكن، ليس على الديك أن يعتقد بقدرته على تحريك قرص الشمس.

مرجعية القرار
المسيحيون هم اليوم بلا رئيس للجمهورية، ببطريرك يتمّ تجاوزه في كل إستحقاق، وزعماء يتصارعون. وهكذا، يضيعون بين اللامرجعية والمرجعيات المستضعَفة والمتصارعة. وفيما المخاطر تعصف بمسيحيي المشرق، غرق مسيحيو لبنان في المعارك الدونكيشوتية: هذا مع التمديد وذاك ضده. ونموذج القتال المجاني يتكرَّر عند كل موعد فاشل لإنتخاب رئيس للجمهورية. وحسناً أن لا سلاح في أيديهم حالياً. فالسوابق لا تطَمْئن.
فأي شيطانٍ يحوِّل الأزمات اللبنانية العامة أزماتٍ إنتر - مسيحية حصراً؟ وكيف يكون المسيحيون أساساً ضحايا الفراغ وتعطيل الإنتخابات والإعتداء على الحقوق، وفجأة يصبحون جلاّدي أنفسهم بأنفسهم، كما يحصل عند كل إستحقاق؟
وتندلع اليوم حرب أهلية مسيحية، في السياسة والمنابر والصالونات ومواقع التواصل، وهي زاخرة بالتخوين ومحاولات التصفية السياسية. والغارقون في الحرب ينسَوْن أو يتناسَوْن أنهم جميعاً في مركب واحدٍ يؤول إلى الغرق، وأنهم يتجادلون في المصالح الصغيرة وجنس الملائكة فيما الموج يتدفَّق سريعاً في المركب!
وهكذا، يشعر الكثير من المسيحيين بالقرف. ويحقّ للبطريرك الماروني أن يهزّ العصا... ولكن يجب أن يحصل ذلك قبل فوات الأوان لا بعده، وأن يستعيد البطريرك هيبته على الرعية أولاً، لأن بكركي لم تفقد هيبتها في نظر الآخرين، إلاّ بعدما نفّذ مناصرو عون إعتداءهم على سيِّدها في العام 1989.
ربع قرن مضى، والمسيحيون يرزحون تحت ثنائية تقسِّمهم عمودياً. ولا أفق لتبدُّل في المعادلة. وسبق للمسيحيين منذ الإستقلال أن عاشوا الثنائيات والثلاثيات، لكن قوتهم كانت كفيلة بتغطية أي إنقسام. وأما اليوم، فإنقسامهم في حال الضعف أو الإستضعاف ينذر بالإضمحلال.
والمثير هو أن الفترة التي إرتاح فيها المسيحيون من الثنائية - بعدما تحوّلت دموية مدمِّرة- كانت تحت الوصاية السورية. وبدا المسيحيون أكثر إنسجاماً في ظل الإضطهاد. وعند زواله، عام 2005، عاد الصراع!
ومرحلة التنافر المسيحي الحالية شبيهة بالسنوات الأولى من الحرب الأهلية، والتي إنتهت بإنشاء الجبهة اللبنانية كمرجعية سياسية.
وليست للمسيحيين اليوم حاجة إلى توحيد البندقية، إذ لا بندقية بقيت في أيديهم، لكنهم يحتاجون إلى إستعادة شكل من أشكال الجبهة اللبنانية كمرجعية للقرار في المسائل المسيحية العليا، بغطاء البطريرك ورئيس الجمهورية. وهذه المرجعية لا تعني تصحير الحياة السياسية ومَحْوَ التنوُّع، بل إزالة الصراعات المصلحية الصغيرة أمام المصلحة العليا.
ومن دون ذلك، سيمضي المسيحيون إلى الهاوية. وفي معزل عن السؤال، أين الصواب: هل هو في منطق عون أم في موقف جعجع؟ فالخطر على مسيحيي لبنان والمشرق أكبر بكثير من الجواب. ولا بدّ من رضوخ الجميع لمنطق التوافق الإجباري. وهذا ما تفعله الشعوب الحيَّة في النكبات الكبرى.
ولن يكون مسيحيو لبنان أفضل حالاً من مسيحيي العراق وسوريا إذا إستمروا في نزاعاتهم بلا أفق. والنجاة ما زالت ممكنة... شرط حصولها قبل أن يغرق المركب!


من الكويت إلى أوستراليا: مسخرة إنتخابات لبنانية!

الطريف هو أن قانون التمديد للمجلس لم يُطبَّق في الكويت وأوستراليا حيث حضر أفراد معدودون من الجالية اللبنانية في البلدين، وإقترعوا!
ووفقاً لبيان وزارة الخارجية، فالإقتراع تمّ بناء على تعاميم الوزارة، حول عملية الاقتراع في البعثات الدبلوماسية والقنصلية في الخارج، ووفقاً لقانون الانتخاب رقم 25/2008 الصادر بتاريخ 8/10/2008، والتي حددت مواعيد الإنتخابات النيابية، بموجب المرسوم رقم 321 تاريخ 19/8/2014 دعوة الهيئات الناخبة.
وأوضح البيان أنه، على رغم الظروف المحيطة بقانون التمديد للمجلس النيابي الذي لم ينشر بعد، والمعوقات الموضوعة أمام العملية الانتخابية، فإن عملية الاقتراع قد تمت في السفارة اللبنانية في الكويت، في 7 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري عن دائرة مرجعيون وحاصبيا، حيث كانت الصناديق مفتوحة طيلة النهار بين الثامنة صباحاً والخامسة مساء. وتم اعتماد قلمي اقتراع، واحد للذكور وآخر للاناث، وعند إقفال الصناديق جرى فرز الأصوات بحضور السفير اللبناني وجميع المشرفين، وحرّر محضر بذلك وفقاً للأصول، سيتم إرساله الى السلطات اللبنانية المعنية ضمن حقيبة دبلوماسية خاصة.
وأصدرت الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات تقريراً تحدثت فيه عن سير الانتخابات التي جرت في دولة الكويت، مشيرة إلى أن السفارة اللبنانية في الكويت فتحت أبوابها لإستقبال 211 ناخباً وناخبة من اللبنانيين المسجلين للاقتراع لديها لدائرة مرجعيون - حاصبيا، وقدم إلى السفارة ناخبان اثنان فقط، أحدهما من دائرة حاصبيا - مرجعيون فتمكّن من الإدلاء بصوته، والآخر من كسروان فلم يتمكّن من الاقتراع لان هذه الدائرة لم يفتح لها قلم اقتراع. وقد نظّمت هيئة القلم في السفارة محضراً بالعملية الانتخابية لترسله مرفقاً بقسيمة الاقتراع إلى بيروت.
وفي خصوص التحضير للعملية الانتخابية، أشارت الجمعية في تقريرها إلى أن وزارة الخارجية تأخرت في إرسال كتاب لوزارة الداخلية لتأمين التجهيزات اللازمة للمراكز في الكويت واوستراليا، ولم يصل كتاب الخارجية الى قلم الداخلية إلاّ يوم الاثنين في 3 الجاري.
أما في ما خصّ عملية الاقتراع في قنصليتي لبنان في سيدني وملبورن، في 9 الجاري، فقد إقترع فيها ثلاثة أشخاص فقط!
    قرأ هذا المقال   1902 مرة
غلاف هذا العدد