إختر عدداً من الأرشيف  
الغلاف

انهارت الدفاعات في المدينة ودخلها المسلحون
تدمر الأثرية السورية هل تفلت من داعش ومصير نمرود العراقية؟
تسارعت الاحداث في سوريا خلال الايام الاخيرة، ففي الشمال السوري حصلت تطورات على صعيد سقوط ادلب وريفها بيد المسلحين، وفي تدمر دخل المسلحون الى المدينة تسللاً من غير آليات وسيطروا على اجزاء منها، وقالت مصادرهم انهم سيطروا على كامل المدينة التاريخية الاثرية، وأصبحت آثار هذه المدينة الأشهر في المنطقة في مهب العبث الذي الحقته الجماعات المسلحة في آثار العراق الشهيرة جداً، وخصوصاً في مدينة نمرود.

في مدينة تدمر السورية آثار تاريخية مهمة ومصنفة على لائحة التراث العالمي، فهذه المدينة التي تعرف بأعمدتها الرومانية ومعابدها التاريخية والمدافن الملكية المزخرفة، استهوت تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام داعش الباحث عن الموارد المالية اللازمة لبقاء هذا الفصيل من المسلحين قيد التداول وفي الخدمة. فقد درجت داعش على تدمير الآثار الصماء والناطقة بحلقات التاريخ، كغطاء لعملية نهب الآثار التي يمكن نقلها وبيعها. هكذا فعل مقاتلوها في مدينة نمرود ومدن اخرى أثرية في العراق دخلوا اليها بقوة السلاح. وكانت تدمر السورية آخر اهداف داعش وقد وصلت الى اسوارها واخترقت حدودها المدينية، الى ان وصلت التعزيزات المطلوبة من مناطق قريبة لانقاذ المدينة، وتم دحر مقاتلي داعش من المدينة ومن المناطق المشرفة عليها، وتمت استعادة التلة المطلة على هذه المدينة وبرج الاذاعة والتلفزيون في شمال غرب المدينة وحاجز الست عند مدخلها، وربما صارت تدمر في أمان الآن.
في الثالث عشر من شهر أيار/مايو الحالي تقدمت مجموعات من عناصر داعش في هجوم مباشر على مدينة تدمر الحديثة الواقعة قرب المدينة الأثرية القديمة، بعدما كانت مجموعات اخرى قد استولت على مدينة السخنة الواقعة في ريف حمص.
ووصلت هذه المجموعات الى اطراف تدمر القديمة، التي هي احدى اكثر الاماكن الاثرية شهرة في الشرق الأوسط، ما أثار المخاوف عند الكثير من المهتمين بالآثار، من تعرض هذا الموقع التاريخي في سوريا، المصنف تراثاً عالمياً ذا قيمة عالمية عالية للتدمير الذي شهدته مدينة نمرود الآشورية على ايدي هذا التنظيم الارهابي. وتقع تدمر الاثرية على الطريق القديم الذي كانت تسلكه القوافل في سفرها، وهي مزيج فريد من فن المعمار الذي جمع الطرازين الروماني والفارسي.

معبد بعل أبرز الآثار
وفي هذه المدينة القديمة اهم مبنى ديني منذ القرن الأول في منطقة الشرق، هو معبد بعل بل ويعتبره علماء الآثار من ابرز ما تركه الاسلاف.
وفيها ايضاً متحف يحتوي على تماثيل ونقوش للعديد من المعالم الجنائزية، كما فيها القوس الضخم، الذي يعتبر نموذجاً مهماً عن الفن التدمري بحكم اسلوب النحت الذي يظهر عليه.
عند وصول قوات داعش الى حدود تدمر المدينة القديمة ارتفعت الاصوات في الداخل السوري وفي الخارج، وقبل وقوع الكارثة الذاتية تم صد هجوم تنظيم الدولة الاسلامية على شمال مدينة تدمر الاثرية في وسط البلاد حيث حصدت المعارك، على مدى خمسة ايام، اكثر من ثلاثمائة قتيل، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.
وقال مدير المرصد السوري رامي عبد الرحمن تتواصل المعارك في ضاحية العامرية الشمالية، مشيرا الى ان التنظيم انسحب من معظم الاحياء بعد اقل من اربع وعشرين ساعة على دخولها.
وذكر محافظ حمص طلال البرازي من جهته: تم افشال هجوم التنظيم واقصاء عناصره من الاطراف التي كانوا يتواجدون فيها في شمال وشرق مدينة تدمر.
ودارت معارك في محيط سجن تدمر الواقع شرق المدينة، وهو سجن كبير.
وتمكن تنظيم الدولة الاسلامية من السيطرة على حاجزين للنظام في حقل الهيل للغاز، الواقع بين بلدتي السخنة التي احتلها بعد ساعات على بدء الهجوم، ومدينة تدمر.
ونشر تنظيم الدولة الاسلامية على مواقع جهادية على الانترنت صورا لمسلحين منه متواجدين في حقل الهيل، الى جانب حاجز مدمر، وبينها صورة دبابة تطلق قذيفة احدثت كتلة نار كبيرة.
وكان التنظيم فشل في احداث اختراق في منطقة سجن تدمر. وتعرض خلال الهجوم لغارة من طائرة مروحية ببرميل متفجر تسببت بمقتل عشرين عنصرا منه، بحسب المرصد السوري.
وبالتالي، ارتفع عدد القتلى في معركة تدمر منذ بدء تنظيم الدولة الإسلامية هجومه في 13 أيار/مايو، الى 315، بحسب هذا المرصد.
وبين القتلى 57 مدنيا قضى ثمانية منهم في القصف الجوي والصاروخي المتبادل و49 آخرون قضوا اعداما على ايدي تنظيم الدولة الإسلامية، وبينهم نساء واطفال.
ولمعركة تدمر اهمية استراتيجية بالنسبة الى التنظيم، كونها تفتح له الطريق الى البادية السورية المحاذية لولاية الانبار العراقية التي يسيطر عليها التنظيم. كما انها مهمة من الناحية الدعائية، كونها محط انظار الاعلام العالمي بسبب الآثار العريقة التي تحتوي عليها.
ودفعت المعارك منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة الأونيسكو الى دعوة مجلس الامن الدولي الى التحرك من اجل حماية المدينة.

فاتحة المراحل
وكان مدير المتاحف والآثار السورية مأمون عبد الكريم عبّر عن خشيته من تعرّض الآثار داخل المدينة للتدمير او التجريف، كما حصل في مدينتي الحضر ونمرود الاثريتين وآثار الموصل في العراق التي دمرها التنظيم، كما بالنسبة الى تماثيل ومواقع اثرية في الرقة في شمال سوريا.
وذكرت مصادر ان تنظيم داعش لا ينظر إلى معركة تدمر بوصفها معركة جانبيّة، بل يسعى إلى تحويلها فاتحةً لمرحلة جديدة، تضمن له تحويل المدينة إلى رأس مثلث تستند قاعدته إلى معاقله في دير الزور والرقة، وتتيح له أيضاً الانطلاق من العمق السوري في اتجاه القلمون، والعاصمة دمشق. تُضاف إلى ذلك أهداف إعلاميّة تتيح له إعادة رسم هالة التنظيم الذي لا يُقهر
ولهذه الغاية، أقدم هذا التنظيم على خوض معارك اختراق على ثلاث جبهات هي: الرمادي، دير الزور، وريف حمص.
وعلاوةً على الأثر الاستراتيجي الذي يُنتظر أن تؤديه سيطرة التنظيم على الرمادي في العراق، يُمكن الاستيلاء على مدينة تدمر، لو تحقق، أن يضمن ل داعش استغلال المستجدّات لشن حملةٍ إعلاميةٍ كبيرة تُعيد رسم هالة التنظيم الذي لا يُقهر، خاصة أنّ التقدّم يأتي بعد فترة قصيرة من قرار القوات العراقية تقديم معارك الأنبار على معارك الموصل، لتأتي نتائج الميدان معاكسةً للأهداف المفترضة. وأثبتت التجارب السابقة أن داعش يجيد استخدام السلاح الإعلامي لاستقطاب ولاءات جديدة، سواء عبر تشجيع مزيد من الجهاديين على الانضمام إلى صفوفه أفراداً، أو عبر التأثير في بعض المجموعات المسلّحة المحليّة في سوريا ودفعها إلى مبايعة الخلافة.

نقطة ارتكاز خلفيّة
ولا تستند هذه المحاولات إلى فراغ، إذ تؤكد معلومات ومعطيات متقاطعة أن التنظيم لم يتوقّف عن مد جسور في اتجاه المجموعات الصغيرة، عبر أمنييه ودعاته.
وقد رسم المخططون العسكريون للتنظيم استراتيجيّة جديدة بعد الهزائم التي مُني بها في عين العرب ريف حلب. وفي خضم المعارك التي يستمر داعش في خوضها ضد المجموعات الإسلاميّة الأخرى في منطقة المحسّة ومحيطها ريف حمص الجنوبي الشرقي، وصولاً إلى أطراف القلمون الشرقيّة، تأتي محاولاته للسيطرة على مدينة تدمر بمثابة مكمّل لا بد منه لتأمين نقطة ارتكاز خلفيّة، سواء للمعارك الحاليّة، أو تلك التي يبدو أن التنظيم مصمم على خوضها قريباً في القلمون الشرقي عموماً.
وعلى الرغم من وجود قوات داعشيّة في المناطق، وخلايا نائمة على مقربة منها وصولاً إلى دمشق الا أنّ أي تقدّم تحققه تلك القوات سيبدو مبتوراً، ومهدّداً بعدم الاستمرار ما لم يكن مدعوماً بقاعدة خلفيّة تضمن تأمين الإمدادات مستقبلاً. ولا يبدو أن اختيار تدمر هدفاً جديداً جاء بقرار اعتباطي، إذ تتمتّع المدينة بمزايا استراتيجية عدّة، تضمن للتنظيم مواصلة العمل على وصل مناطق نفوذه في كل من دير الزور، ولاحقاً الرقّة بريفي حمص وحماة اللذين يُشكلان واسطة العقد السوري، بحيث تُشكل المدينة التاريخية رأس مثلث قاعدتاه في دير الزور والرقّة، ل التمدّد نحو مناطق جديدة. ومن شأن تمكن داعش من السيطرة على مدينة تدمر أن يتيح له تالياً ربط المحور الممتد منها إلى مدينة القريتين وإلى جبال البتراء القلمون الشرقي، ما يعني الاقتراب من الضمير، ومحاولة العودة بقوّة إلى خارطة النفوذ العسكري في غوطة دمشق الشرقية. كذلك إن التحرّك انطلاقاً من تدمر نحو مدينة حسياء ريف حمص الشرقي سيتيح للتنظيم المتطرّف تهديد الطريق الدولي حمص - دمشق، وتعزيز قواته في القلمون الغربي عبر بوابتي قارة والجراجير اللتين تشهدان انتشاراً لمسلحي داعش في جرودهما. ولا يُعتبر تحرك داعش نحو تدمر المحاولة الأولى لبسط السيطرة على مناطق وسط سوريا، ففي هذا السياق تندرج هجماته المتكررة على حقل شاعر، ومطار تي فور العسكري، وكذلك مدينة سلمية.
علاوة على كل ما تقدّم، يُشكل البُعد التاريخي لمدينة تدمر عامل إغراء إضافياً بالنسبة إلى الخلافة. ويبدو من المسلّم به أن نجاح متطرفي داعش في الوصول إلى معالمها الأثريّة سيضع الرأي العام أمام فصول جديدة من مسلسل تحطيم الأوثان الذي يضيفُ رصيداً عقائديّاً كبيراً لصورة الخلافة، ويصبّ في خانة استنهاض همم المسلمين لمناصرة جيش الخلافة الإسلاميّة، وهو الهدف الذي أكّد مصدر مرتبط بالتنظيم أنّه يأتي على رأس الأولويات.




النظام السوري يخسر 150 مقاتلاً في معركة تدمر
تواصلت الاشتباكات بين القوات النظامية السورية وتنظيم الدولة الإسلامية داعش، يوم الأحد الماضي، في مدينة تدمر، ورغم تمكن قوات النظام من استعادة التوازن، إلا أنها فقدت نحو 150مقاتلاً، خصوصاً بعد خسارتها لخط الدفاع الأول عن المدينة، في ظل سيطرة داعش على حقل الهيل للغاز ومحطة آرك.
وأوضح عضو تنسيقية مدينة تدمر خالد الحصني، أن جيش النظام استعاد السيطرة على القلعة وبرج الإشارة ومحيطهما، وان عناصر الأمن العسكري يتجولون بشكل مكثف في شوارع المدينة، التي تشهد حياة طبيعية.
وقال محافظ حمص طلال البرازي ان ٣٠ متشدداً قتلوا في المعارك، وأكد أن الطريق الواصل بين حمص وتدمر يعمل بشكل طبيعي، والجيش لا يزال يعمل على تطهير المنطقة مستخدماً الطيران، كما يقوم بتمشيط الطرق من العبوات من أجل إعادة الحركة.
وقال الحصني، إن بين قتلى النظام أكثر من 150 عنصراً، بينهم أكثر من عشرة ضباط وان أغلب القتلى من متطوعي ميليشيا الدفاع الوطني واللجان الشعبية، مشيراً إلى أن معظم القتلى سقطوا في معركة السيطرة على حقل الهيل، ويخوض مقاتلو داعش اشتباكات عنيفة في المنطقة، بعد تمكنهم يوم الأربعاء الماضي من السيطرة على بلدة السخنة التي تبعد ثمانين كيلومترا من تدمر الاستراتيجية، نظرا لوقوعها في وسط البادية السورية الحدودية، المحاذية لمحافظة الأنبار العراقية التي يسيطر التنظيم على جزء منها.
    قرأ هذا المقال   954 مرة
غلاف هذا العدد