إختر عدداً من الأرشيف  
لبنان

أيها الموظفون والعسكريون: بعد أيلول رواتبكم مهدَّدة!
هل يتحمل لبنان مواجهة أيلول أسود إجتماعياً؟
إذا استمر الوضع على حاله، فإن رائحة النفايات الممزوجة بروائح الفساد على أنواعها ستغطيها أزمة كبرى يصعب تحملها.
أيها الموظفون في القطاع العام، أيها العسكريون الواضعون دماءكم على أكفِّكم لحماية الأرض والشعب والدولة، سيأتي أيلول/سبتمبر وتصبحون فيه بلا رواتب. أي ستصبحون بلا لقمة خبز ولا قسط لمدرسة على أبواب العام الدراسي... وستصبحون على خير!

الموعد يقترب. والتهديد الذي أطلقه الرئيس تمام سلام في هذا المجال، قبل شهر، لم يكن مناورة ولا مزحة. وأما وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس فيحذّر من أزمة الرواتب، ويشرح: الحكومة تصرف على أساس القاعدة الاثنتي عشرية من دون الأخذ بعين الاعتبار غلاء المعيشة وزيادة الرواتب والدرجات. ونحن نستطيع صرف 75 في المئة وفقاً لهذه القاعدة. ونحتاج إلى نقل اعتماد من الاحتياطي العام لحساب الوزارات من أجل دفع الرواتب، ولا تُنقل الاعتمادات من الاحتياطي العام الا بقرار من مجلس الوزراء. ولذلك، فالحكومة لن تستطيع دفع رواتب القطاع العام في شهر أيلول/سبتمبر وهذا الأمر ليس تهويلاً.
وأما وزير الدفاع سمير مقبل فحذّر من أن شلل عمل مجلس الوزراء سيؤدّي إلى الإضرار بالجيش اللبناني، بسبب حاجته لتأمين اعتمادات لدفع رواتب ومستلزمات التغذية للعسكريين. وأما وزيرة شؤون المهجرين أليس شبطيني فقالت إن فريق التيار الوطني الحر لم يرضَ بإقرار فتح الاعتمادات لتأمين الرواتب قبل اتخاذ قرار بانجاز التعيينات العسكرية وإعادة البحث فيها داخل مجلس الوزراء.
وهكذا، فإن أيلول/سبتمبر طرفُه بأزمة الرواتب مبلول. وقد يكون آخر شهور الإستقرار المالي في رواتب موظفي القطاع العام، كما لوَّح وزير المال علي حسن خليل. وهذا ما ينذر بكارثة مالية - إقتصادية - إجتماعية لم يشهد لبنان لها مثيلاً في ذروة حروبه الأهلية.

فهل فعلاً يتجه لبنان إلى مأزق الرواتب أم إن الأمر ضغوطاً سياسية؟ وهل هي معركة أرقام ومال واقتصاد أم هي معركة سياسية بين قوى في داخل فريق 8 آذار بري - عون وبين 8 و14 آذار، بحيث تتداخل أزمة الرئاسة والطموحات الرئاسية مع ملف التعيينات الأمنية والتشريع؟

تحذير وزير المال
قبل أسابيع، أعلن وزير المال أن رواتب موظفي القطاع العام، البالغ عددهم حوالى 225 ألفاً، مهددة بدءاً من نهاية أيلول/سبتمبر المقبل، ما لم تقرّ موازنة العام 2015 أو تفتح اعتمادات إضافية. وقال: إن الاعتمادات المخصصة للرواتب والأجور لا تكفي حتى نهاية العام 2015، وثمة حاجة لاعتمادات إضافية تفوق 500 مليار ليرة بموجب قانون عن مجلس النواب.
وبالنسبة إلى الوزير خليل، إن نفقات الرواتب والأجور الملحوظة للعام 2014 لا تغطي كلفة الرواتب والاجور والتعويضات للعام 2015، لا سيما أن الموازنة المعتمدة حالياً لا تشمل الكلفة الإضافية الناجمة عن دفع غلاءات المعيشة للقطاع العام وسلسلة الرواتب، المقدرة بنحو 1740 مليار ليرة. ويعني ذلك أن ما يتم اليوم، بعد انقضاء ثلث السنة، هو إنفاق على أساس القاعدة الاثنتي عشرية، وهذا الواقع ينسحب على النفقات الاستثمارية ومشاريع البنى التحتية التي تتوقف لعدم قدرة وزارة المال على فتح اعتمادات اضافية لأي وزارة أو إدارة في غياب الموازنة العامة المقدرة نفقاتها للعام 2015 بنحو 22001 مليار ليرة، وعجزها بنحو 7000 مليار ليرة.
وأوضح خليل أن كلفة الرواتب والأجور ما تزال تفوق 7100 مليار ليرة للعام الحالي نتيجة استمرار التوظيف خصوصاً في المؤسسات العسكرية والأمنية وتراجع الإنتاجية في القطاع العام، لا سيما في مجال الايرادات. وتقدِّر الموازنة أن الإجراءات الضريبية الخاصة بتمويل سلسلة الرتب والرواتب تؤدي الى تحصيل نحو 664 مليار ليرة للعام 2015، ونحو 1762 مليار ليرة للعام 2016.
وقد أحال مجلس الوزراء مشروع القانون الذي أعده الوزير خليل، والمتعلق بفتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة لعام 2015 لتغطية العجز في الرواتب والأجور وملحقاتها العائدة للادارات العامة بشكل رئيسي، وكذلك معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة والبالغ 874 مليار ليرة لبنانية. لكن الشلل يسود المؤسستين التشريعية والتنفيذية.
وإذا لم يتم اقرار مشروع قانون الموازنة للعام 2015، او لم يتمكن مجلس النواب من الاجتماع لإقرار مشروع قانون الاعتماد الإضافي، فإن مصادر مالية مطلعة تؤكد أن رواتب موظفي القطاع العام لن تقبض خلال شهر أيلول/سبتمبر، معلنة أن تأمين الرواتب لموظفي القطاع العام يقع ضمن تشريع الضرورة.

الرواتب متوافرة
ويردّ تكتل التغيير والاصلاح على تلويح وزير المال علي حسن خليل بأن لا آلية لدفع رواتب موظفي القطاع العام في ايلول/سبتمبر المقبل، فيحمّله المسؤولية، ويسأل عن المبلغ المطلوب حالياً وهو بقيمة 873 مليار ليرة، قائلاً: هل هو مبلغ إضافي في موضوع الرواتب والأجور؟ فإذا كانت هناك زيادة، نسأل، هل تم توظيف إضافي بهذا الحجم في الإدارات والمؤسسات العامة والأسلاك؟ ويطالب كنعان بإيضاحٍ من وزارة المال لم يأتِ الى حينه.
وفي رأي كنعان، وهو أيضاً رئيس لجنة المال والموازنة، أن رواتب الموظفين مؤمنة. فالقانون 1/2014 صدر في 30 تشرين الاول/أكتوبر 2014 أي قبل أشهر، وهو فتح اعتماداً اضافياً بقيمة 626 ملياراً و607 ملايين و155 الف ليرة، لتغطية العجز في الرواتب وملحقاتها حتى نهاية السنة. وبموجب المادة 60 من قانون المحاسبة العمومية، كل اعتماد إضافي على نفقة دائمة يدخل ضمن إطار القاعدة الاثنتي عشرية، أي يعتبر دائماً.
ويضيف كنعان: اذاً، هناك قرارات متخذة للتوظيف من دون اعتمادات مرصدة ولا يجيزها القانون، واذا أردنا تطبيق حرفية النص القانوني فمن المفترض الغاؤها، أما اذا رصدت لها اعتمادات فأين هي هذه الاعتمادات؟ لذلك يجب ألا تكون هناك أزمة رواتب، فإما أن يكون مجلس الوزراء خالف القانون وإما أن تكون هناك ثغرة ما في احتساب حجم هذه الرواتب بما يتفق مع المادة 60 من قانون المحاسبة العمومية، مع كل الاعتمادات الإضافية التي تمّ اقرارها في مجلس النواب منذ العام 2005 الى اليوم.

هل من تسوية؟
ثمة من يتشاءم بانعدام الفرصة لتسوية، ويخشى الفوضى السياسية والدستورية في الخريف الآتي. لكن البعض يعتقد بأن الجميع سيرضخ لتسوية اللحظة الأخيرة عندما تقترب الاستحقاقات الأساسية، أي انتهاء ولاية قائد الجيش العماد جان قهوجي وأزمة الرواتب.
وقد يتم التوافق على القبول بانعقاد جلسة تشريعية تقر كل المشاريع العالقة بما فيها الرواتب والهبات ويجري حلّ أزمة التعيينات. وكان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم اقترح مخرجاً للأزمة.
وتقول مصادر متابعة إن تحذير الوزير خليل جاء في محله، اذ ليس من الجائز لا قانوناً ولا دستورياً الاستمرار في الانفاق، بما في ذلك الإنفاق على الرواتب والأجور من دون وجود تغطية قانونية لصرف الاموال رغم انها متوافرة، لكن لا يوجد نص قانوني يجيز صرفها في ظل عدم إقرار مجلس النواب لقانون موازنة العام 2015، أو إقراره لقانون خاص بهذا الخصوص.
فإقرار القاعدة الاثنتي عشرية والقانون الذي صدر في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وشرّع للحكومة صرف 8900 مليار ليرة تضاف الى ما هو مسموح بإنفاقه بموجب موازنة 2005 ليسا كافيين لتغطية الإنفاق العام.
وإقرار سلفة للوزارات في مجلس الوزراء هو أمر مخالف للقانون، والحل الوحيد لقوننة هذا الانفاق هو في إصدار قانون خاص في مجلس النواب أو إقرار موازنة عامة. فمن الناحية القانونية والدستورية اصاب الوزير الخليل، ولكن في المقابل، من الواضح أنه أراد إعادة الإنتاجية الى المجلس النيابي بدفع المقاطعين بقوة ملف الرواتب الى المجلس النيابي، كي لا يحشروا امام محازبيهم وقواعدهم السياسية في مسألة وفي ملف اساسي كملف الاجور.
لكن الكتل النيابية التي تقاطع اجتماعات المجلس النيابي، وعلى رأسها المستقبل والوطني الحرّ، ترى ان تحذير الوزير خليل هو من باب السياسة، لا سيما ان المال متوافر لدفع رواتب موظفي القطاع العام.
ويقول عضو كتلة المستقبل النائب نبيل دو فريج إن موضوع الرواتب واضح في قانون المحاسبة العمومية من حيث انه عملية روتينية. وهناك فقرة تنص على انه في حال نفاد الاعتمادات، يجوز للحكومة أن تفتح بمرسوم الإعتمادات التكميلية اللازمة من مال الاحتياط، لذا فانه من غير الجائز اذا لم يتمكن مجلس النواب من الاجتماع ألا تُدفع رواتب الموظفين ما دام القانون واضحاً، وإذا احتاج الأمر إلى أن يتخذ مجلس الوزراء القرار في ذلك فنحن جاهزون.
ويستشهد هذا الفريق في دعم وتأكيد وجهة نظره بالقرار الصادر عن مجلس الوزراء عام 2006 الذي لحظ انه يمكن دفع ما تقتضي المصلحة العامة صرفه بما فيه الرواتب والأجور في القطاع العام، وكذلك من خلال القانون الرقم 715 الذي يجيز دفع النفقات الدائمة قبل إقرار الموازنة العمومية.

الأجدى فتح اعتمادات
ويقول الخبير الاقتصادي والمالي غازي وزني: إن مسألة تأمين رواتب موظفي القطاع العام في أيلول/سبتمبر المقبل مرتبطة بمدى شرعية الإنفاق أو عدمه، موضحاً أن الأولى تقضي بأن يفتح مجلس النواب اعتمادات إضافية لدفع الرواتب والأجور بنحو 850 مليار ليرة. أما عدم شرعية الإنفاق فيقضي باعتبار الرواتب والاجور نفقات ملزمة، وبالتالي على وزارة المال تسديدها لموظفي القطاع العام.
والأجدى قانونياً ودستورياً اتباع المسار القانوني والدستوري، أي أن يشرِّع مجلس النواب اعتمادات اضافية بقيمة 85 مليار ليرة على غرار ما حصل عام 2014 عندما شرّع نفقات إضافية بنحو 9 آلاف و500 مليون ليرة، وألا نستمر في الإنفاق غير الدستوري وغير القانوني على غرار السنوات السابقة.

فتّش عن السياسة
في الخلاصة، تبدو المسألة مجرد تجاذب سياسي بين فريق يرغب في تحريك العمل في المجلس النيابي، وآخر يفضّل استخدام ورقة التعطيل سياسياً. ولكن، ثمة من يسأل: ما ذنب المواطن والعسكري ليعيش القلق من يوم غد، ويتحمل وزر الصراعات التي لا ناقة له فيها ولا جمل؟ وهل تجرؤ الطبقة السياسية على إشعال غضب 225 ألف موظف ينتمون إلى مختلف الفئات والإتجاهات، فيكون أيلول الأسود الاجتماعي عنوان تفجير لا يتحمّله أحد؟
    قرأ هذا المقال   1454 مرة
غلاف هذا العدد