إختر عدداً من الأرشيف  
الغلاف

واشنطن تحث حكومة اوكرانيا على مكافحة الفساد
رئيس الوزراء الاوكراني فولوديمير غرويزمان أمر بوضع الوزراء الفاسدين في براميل القمامة
تواجه اوكرانيا عجزاً مالياً متواصلاً مع ارتفاع ديونها الداخلية والخارجية، في خضم الصراعات السياسية والعدوان الروسي، ويرى خبراء المال أن مستويات الضرائب ومعدلاتها عالية للغاية بالقياس الى الدول المجاورة، ما يدفع الغالبية من رجال الأعمال والشركات والسكان الى اتباع طرق ملتوية للتهرب من دفعها، في وقت يتّسع فيه ويكبر حجم اقتصاد الظل، ما ادى الى تحوّل صندوق النقد الدولي الى المصدر الرئيسي للعملات الصعبة، التي تحتاجها الدولة، بعد الانخفاض المريع في حجم الصادرات. وتشير البيانات الرسمية الى تراجع الناتج القومي الإجمالي في البلاد بمعدل 11 في المئة العام الماضي.

أظهرت دراسة أعدتها غرفة التجارة الأميركية في أوكرانيا أن 73 في المئة من الأوكرانيين اشاروا إلى أن حجم الفساد في ظل حكومة أرسيني ياتسينيوك ظل كما كان عليه خلال الفترة السابقة. واعترف الرئيس بوروشينكو بتفشي الفاسد وتعمق الأوضاع الشاذه في البلاد. وقال في تصريح إلى وكالة رويترز: الوضع لم يتغير كثيراً عن السابق، ولكنني لن أتوقف عن الحرب ضد الفساد وبكل الوسائل والأدوات القانونية. غير ان حزب العون الذاتي المشارك في الائتلاف الحاكم اتهم الرئيس شخصياً بعدم الإيفاء بوعوده بشن حرب لا هوادة فيها ضد الفساد، وقال النائب عن الحزب إيغور سوبوليف في تصريح إلى وكالة فرانس برس: عار على الرئيس الذي انتخبه الشعب ليكافح الفساد ويقوم بتطبيق اصلاحات في المؤسسة القضائية لتأمين استقلاليتها عن السلطة، ومنع وقوعها تحت سيطرة المافيا السياسية ان يدير ظهره لناخبيه وشعبه ويترك الأوضاع لتصبح أسوأ مما كانت عليه في السابق.
أثبتت الأزمة التي تنخر الدولة الأوكرانية والمجتمع ان الاتحاد الأوروبي يفتقر الى استراتيجية ورؤية متكاملة لمواجهة تداعيات تطورات الأحداث وتفاعلاتها في اوكرانيا بعد سنتين على التغيير، وعام على التدخل الروسي وقضم شبه جزيرة القرم وإلحاقه بالفيديرالية الروسية، على خلاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعرف ما يريد وكيف يصل إلى تحقيق أهدافه!

أول نتائج رفع الغطاء عن الحرب الأهلية الدائرة بين كييف والانفصاليين تمثل في بروز الانقسامات الداخلية بين القوى والأحزاب السياسية المناهضة لروسيا، لتكشف عن حالة يرثى لها من عدم اهلية وكفاءة النخب السياسية، التي تزعمت التغيير السياسي، وعجزها عن الإمساك بالفرصة المتاحة امامها لبناء الأسس الأولى للديمقراطية وتحصين الدولة والمجتمع ضد الظواهر السلبية، التي يعتبر ظهورها أمراً حتمياً في المرحلة الانتقالية، والشروع بإيجاد الحلول للمعضلات الكبرى التي تواجه البلاد.
لقد ارتسمت أمام الحليفين الأوروبي والأميركي لوحة مماثلة عما حصل في بلدان أوروبا الشرقية بعد انهيار انظمتها الشيوعية تعكس بمحتواها وشكلها تبلور نخب سياسية فاسدة وعاجزة خرجت من رحم ما بعد النظام السوفياتي البائد، ولا غرابة في هذه الحال ان تحدث تصدعات وشقوق في العلاقة بين كييف والغرب.

إصلاحات متأرجحة
كانت الفوضى هي السمة الأكثر وضوحاً في حكومة أرسيني ياتسينيوك التي دامت اكثر من سنتين واستقالت في 10 نيسان /إبريل 2016 ، اذ اخفقت بالتحكم بمسار الأوضاع التي شهدتها البلاد، وبدت ضعيفة وهشة ومهزوزة نتيجة التعارضات العميقة بين اطراف التحالف الحاكم.
يشكل ممثلو الأحزاب الشعبوية غالبية في السلطة التشريعية، ما يعرقل ويصعّب للغاية اية محاولة يبديها النواب ذوو التوجهات الأوروبية لتمرير الإصلاحات المهمة والضرورية، هذا لو كان من بينهم من يسعى فعلاً إلى تطبيقها، ولكن مجموعة من ممثلي الجيل الجديد من البيروقراطيين قاموا بمحاولات متتالية لكسر الطوق المفروض على مبادراتهم التشريعية الرامية الى أجراء اصلاحات اقتصادية وسياسية، بقيت حبراً على ورق كونهم لا يمتلكون الغالبية الكافية لتمريرها.
تحسين ياسين يعمل مديراً عاماً لشركة (Danone Nutricia) في اوكرانيا، وهي واحدة من فروع المؤسسة الفرنسية لصناعة الأغذية المنتشرة في اوروبا الشرقية ابلغ وكالة رويترز انه لم يستطع لأسباب قانونية ان يفصح عن تعرضه لابتزاز من قبل موظفي مصلحة الضرائب الحكومية، الذين هددوه بأنهم سيقومون بتدقيق حسابات شركته اذا لم يدفع لهم المبلغ الذي طلبوه، ولهذا قرر الصمت خوفاً من تعرضه لانتقامهم، ولكنه وصف للوكالة نفسها اساليبهم وأهدافهم بكلمة واحدة مافياوية.
بعد اطاحتهم نظام يانوكوفيتش في العام 2014 وعد السياسيون الجدد من ذوي التوجهات الأوروبية الغربية الشعب بقلع منظومة الفساد التي ازدهرت خلال سنوات النظام السابق من جذورها، وإنهاء الأوضاع الشاذة، التي تجعل البلاد تعتمد بالكامل على مساعدات، تقدمها موسكو وشحنات الغاز الروسية. ولكن القليل من هذا لم يحصل، بل العكس تماماً فالفساد والإفساد اكتسبا ابعاداً خطيرة، لدرجة تهدد بتقويض أعمدة المجتمع، ودفع المستثمرين الأجانب الى تحويل اموالهم الى دول اخرى في المنطقة اكثر حزماً في تطبيق سيادة القانون، وفي مكافحة الفساد في اوساط الطبقة الحاكمة والأوليغارشية المرتبطة بالحكومة، وكذلك بثّ الشكوك لدى حلفاء كييف وداعمي النظام الجديد في قدرته على إحداث التغييرات والإصلاحات الحقيقية التي تقرّب أوكرانيا من المعايير الغربية، ما دفع رئيس الوزراء الاوكراني الجديد فولوديمير غرويزمان لاصدار امر بوضع كل الوزراء في براميل القمامة.
إحدى النتائج الخطيرة على مستقبل النظام ووجوده، التي ستنجم عن الفشل في القضاء على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة والنخب السياسية في الحكم والبرلمان تتمثل في خسارة صفقة الأموال في مقابل الإصلاحات التي تبلغ قيمتها 40 بليون دولار، والتي حافظت بفضل دعم صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حتى الآن على اقتصاد الدولة من الانهيار، في وقت تخوض فيه الحكومة حرباً معقدة مع الانفصاليين الموالين والمدعومين مالياً وعسكرياً من الكرملين.
وقال أبرومافيسيوس وهو احد التكنوقراط الأجانب الذين تمت الاستعانة بهم لاجتثاث الفساد لا أريد أن أكون سحابة دخان للفساد الواضح، أو أكون دمية لأولئك الذين يريدون العودة للسيطرة والتحكم بموارد الدولة على منوال الحكومة القديمة، واتهم في تصريح صحافي شخصيات نافذة في شركة النفط والطاقة والمجمع الصناعي الحربي بمحاولة السيطرة على الموارد المالية للدولة، وفي مقدمهم نائب رئيس كتلة بوروشينكو في البرلمان إيغور كونونكو، الذي كما اكد أجبره على تعيين شخصيات رغماً عنه في مواقع رئيسية في شركات الطاقة ومؤسسات الإنتاج الحربي.
أبرومافيسيوس ليس الأجنبي الوحيد الذي تستعين به حكومة كييف لدفع عجلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والمالية الى الأمام، فرئيس جورجيا السابق ميخائيل ساكاشفيلي يحتل منذ الصيف الماضي منصب حاكم ولاية أوديسا بقرار من الرئيس بورشينكو. وكان قدم العام الماضي إلى الحكومة الأوكرانية إستراتيجية شاملة للإصلاحات، ولكنها لم تحصل على دعم الرئيس والبرلمان، وكان مصيرها في سلة المهملات.

فساد وزبائنية
اتساع الهوة بين الساسة والأوليغارشية من جهة والتيار الإصلاحي في الحكومة المدعومة من الغرب من جهة اخرى، يعمق الأزمة في البلاد ويعيق القيام بالإصلاحات الضرورية في المؤسسة القضائية التي تغرق في الفساد والزبائنية. وقال مبعوث الأمم المتحدة الخاص بمراقبة السجون والأحكام التعسفية كريستوف هاينز في تقرير قدمه الى الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون، بعد زيارة قام بها في ايلول /سبتمبر الماضي الى العاصمة الأوكرانية: تغرق هذه الدولة في بحر من انعدام الشعور بالمسؤولية والانتهاكات القانونية.
تمت الإطاحة بنظام يانوكوفيتش، ومع ذلك يجتاح تسونامي الفساد المؤسسة القضائية، وقال هاينز إن الأجهزة الأمنية الأوكرانية فوق القانون، منبهاً الى ان عناصر الأمن يشنون عمليات مداهمة وتفتيش ضد شركات التكنولوجيا والتقنيات المعاصرة، بهدف اثارة الرعب في نفوس مالكيها والعاملين فيها وابتزازهم.
يتصدّى الاعلام بمختلف أنواعه للفساد، ويقوم كتاب الصحافة الاستقصائية بنشر تحقيقات جريئة عن الفساد في أوساط النخبة الحاكمة والأحزاب السياسية، وحتى ضد الرئيس بوروشينكو شخصياً، الذي يصنّف ضمن 10 من أغنى أثرياء أوكرانيا. وكثيراً ما تأتي الصحف على ذكر الرئيس بوروشينكو، الذي تمكن خلال العام الماضي من مضاعفة رأسماله بمليارات الدولارات، وتشير الى انه تناسى وعوده التي تعهد بها خلال حملاته الانتخابية ببيع شركاته وأعماله حال فوزه بكرسي الرئاسة، وقالت إنه في الوقت الذي أفلست مصارف عدة، ارتفع رأسمال البنك الذي يملكه الرئيس أضعافاً.
وتتحدث وسائل الإعلام عن شخصيات مقربة ومتحالفة مع الرئيس ورئيس الحكومة السابق ياتسينيوك تقول إنها متورطة في فضائح فساد ونهب المال العام بالاشترك مع مسؤولين كبار في الجمارك وشركات الطاقة. وكتب الصحافي الأكثر شهرة في أوكرانيا سيرغي ليش جينكو الذي أصبح نائباً ضمن كتلة حزب الرئيس في البرلمان ان بوروشينكو ومعه ياتسينيوك تعهدا للأميركيين بالرقابة المتبادلة أحدهما للآخر والحفاظ على التوازن السياسي عند اتخاذ القرارات المهمة، لكنهما استبدلاها لاحقاً بصفقة تقاسم السلطة، ومناطق النفوذ والمسؤوليات في شكل يؤمّن عدم اصطدام أحدهما بالآخر أو الدخول في منازعات أو نزاعات.

سجن المسؤولين
تحث الولايات المتحدة أوكرانيا على مكافحة الفساد والقضاء عليه وتدعوها إلى سجن المسؤولين الفاسدين.
وذكرت مصادر أن فيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأوروبية أكدت - في تصريحات أدلت بها في كييف - أن الوقت قد حان للقضاء على الفساد في أوكرانيا. وقالت: إن الوقت قد حان لسجن أولئك المسؤولين، الذين سرقوا ثروات الشعب الأوكراني لفترة طويلة.
ويرى مراقبون ومحللون أن الأميركيين يتحكّمون بالعملية السياسية الجارية في البلاد لدرجة أن السفارة الأميركية في كييف تحولت إلى مركز القرار الأول في السلطة، فبالتشاور مع السفير بايات تتخذ قرارات تعيين المسؤولين الكبار في الدولة وفصلهم، وفي بعض الحالات تتم العودة إلى نائب الرئيس جو بايدن. ووفقاً لما ذكره ليش جينكو فإن الإدارة الأميركية والسفير بايات يقفون على قمة هرم النفوذ لأول مرة في تاريخ أوكرانيا المستقلة.
وفي السياق نفسه دعت ألمانيا وفرنسا السلطات الأوكرانية إلى التنفيذ الكامل للإصلاحات التي تم الاتفاق عليها في أوكرانيا.
وقال وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، خلال مؤتمر صحفي مشترك فى كييف مع نظيره الفرنسي جان - مارك إيرول في 23 شباط/فبراير الماضي، إن الإصلاحات فى أوكرانيا يجب أن لا تتوقف، حيث أن الدولة تحتاج إلى الاستقرار السياسي ومواصلة الاصلاحات.
وعلى الرغم من أن الوزيرين الفرنسي والألماني شددا على مسألة مكافحة الفساد في أوكرانيا، والمخاوف من الفوضى التشريعية وإمكانية انهيار البرلمان بسبب مغامرات مجموعة الليبراليين الجدد، فقد أكدا مجددا على ضرورة الحوار بين أوكرانيا وروسيا لتسوية الأزمة. هذا على الرغم من أن روسيا أكدت أكثر من مرة على أنها ليست طرفا في النزاع الأوكراني الداخلي، وأنها مجرد وسيط مثل فرنسا وألمانيا ضمن رباعية نورماندي. كما أكدت موسكو أكثر من مرة على أن الحوار الأساسي يجب أن يكون بين كييف وممثلي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك المعلنتين من طرف واحد.
واخيراً أعلنت المفوضية الأوروبية أن تفاقم الأزمة السياسية وضع أوكرانيا في وضع حرج، مجددة دعوتها إلى مواصلة الإصلاحات. وقالت متحدثة باسم المفوضية الأوروبية إننا واثقون من أنه في المرحلة الحرجة الراهنة، من المهم أن يتمسك زعماء أوكرانيا بتركيزهم على تطبيق الإصلاحات.




البيت الابيض: اميركا ستمنح أوكرانيا مساعدة جديدة
أعلن البيت الابيض ان الولايات المتحدة ستمنح أوكرانيا مساعدة جديدة بقيمة 220 مليون دولار هذا العام.
وابلغ جو بايدن نائب الرئيس الاميركي رئيس الوزراء فولوديمير غرويزمان، بالمساعدة خلال اتصال هاتفي، حيث عبّر بايدن عن الدعم القوي لجهود الاصلاح التي يبذلها غرويزمان، واشاد بالخطوات التي اتخذتها حكومته بالفعل في اول شهرين لها في السلطة.
    قرأ هذا المقال   2002 مرة
غلاف هذا العدد