إختر عدداً من الأرشيف  
لبنان

عون والدعوة إلى مناطق آمنة للنازحين: هل تلتقي مع ترامب أم تعاكسه؟
عندما يصل العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، بديهي أن يفكر في اتخاذ خطوات أكثر حزماً لمعالجة ملف النازحين السوريين في لبنان. فمنذ أن بدأت أزمة النزوح، كانت له على رأس التيار الوطني الحر مواقف تدعو إلى التشدّد في المواجهة، اقتناعاً منه بأن تفاقمها سيقود لبنان إلى كارثة محتمة.
فالكيان اللبناني، في نظر عون والعديد من القيادات والخبراء، بات مهدداً فعلاً بعدما بات عدد النازحين يوازي نصف عدد الشعب اللبناني تقريباً، وباتوا ينافسون اللبنانيين جدياً في العديد من مجالات رزقهم، خلافاً للقوانين والأنظمة التي تحصر الأعمال لغير اللبنانيين بميادين محددة. وقد زاد تفاقم الأزمة المعيشية في لبنان من حدّة أزمة النازحين.
والمشكلة الأساس تكمن في الغموض الذي يعيشه الملف السوري، حيث الحرب مستمرة والتسويات بلا أفق، ما يترك النازخين في لبنان من دون أي أمل بالعودة إلى بلادهم. وإذا كانت عودة هؤلاء مرهونة بوقف القتال، ثم التسوية السياسية، ثم إعمار المدن والقرى المدمرة، فهذا يعني أن سنوات عدة على الأقل ستمرّ قبل أن يفكر النازحون بمغادرة مناطق نزوحهم في لبنان.
ويعتقد بعض الخبراء أن من أساس المليون ونصف المليون نازح سوري إلى لبنان، قد يعود جزء وقد يبقى جزء آخر إذا كانت قد فُتِحت في وجهه أبواب العمل بلا ضوابط، ووفق ما يطالب المجتمع الدولي من تطبيع لإقامة النازحين في لبنان وعملهم وإصدار جوازات سفر لهم. ولذلك، يطالب لبنان بمساعدته لوضع خطة تهدف إلى إعادة الجزء الأكبر من النازحين خوفاً من تداعيات خطرة لانتشارهم العشوائي. وهو لا يرى عذراً في عدم التزام ذلك، لأن قرابة ثلثي النازحين جاؤوا إلى لبنان من مناطق لا تشهد معارك عسكرية. ويتردد أن لبنان الرسمي يواكب المفاوضات بين حزب الله والجيش السوري الحر، لإعادة عشرات الآلاف من النازحين إلى جرود عرسال الى بلداتهم القريبة من الحدود اللبنانية.
لذلك، من منطلقات موقعه كرئيس للجمهورية مؤتمن على الوطن الذي أقسم اليمين الدستورية للمحافظة عليه، يبدو الرئيس عون مضطراً إلى كسر حاجز الصمت في هذا الملف والذهاب نحو الحلول العملانية الممكن تنفيذها.

ويصبح السؤال أكثر إلحاحاً في ضوء الخطة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والقاضية بتثبيت النازحين السوريين في مناطق آمنة، في سوريا والبلدان القريبة منها، ومنع انتقالهم إلى الولايات المتحدة!؟
فهل يوفَّق الرئيس عون في تحريك الركود السائد ملف النازحين، في موازاة تحريك ترامب للملف؟ أم تطرأ عوامل داخلية وخارجية تحدّ من طموحاته؟

تتفاقم المخاوف في لبنان من تداعيات أزمة النازحين السوريين. وفي التقارير الأخيرة أن هؤلاء ينتشرون في أكثر من 1400 موقع في لبنان، بعضها خارج عن سيطرة الدولة وقابل للانفجار في أيّ وقت. واللافت، في العام الفائت، أن عدد السجناء في لبنان، من الإناث والذكور، وصل إلى 6200، بينهم 1500 من الجنسية السورية أي ما يقارب ٢٢.٥ في المئة. وهذه النسبة ارتفعت إلى 27 في المئة في أواخر كانون الثاني/يناير الفائت.
وغالبية السجينات محكومات أو موقوفات بتُهمٍ تتعلق بالمخدّرات وقضايا أخلاقية، فيما عدد محدود بقضايا أمنية. وأمّا الموقوفون بجرائم إرهابية، فبَلغ عددهم العام الفائت نحو 617، غالبيتُهم سوريون، وذلك في مديرية المخابرات فقط، بحسب مصدر مطّلع، وأحيلَ هؤلاء إلى القضاء. وبين العام 2013 و2016 أحيلَ 1900 شخص إلى القضاء بهذا النوع من التُهم.
إذاً، هذه هي الصورة على المستوى الأمني- الاجتماعي، وتضاف إليها التداعيات الاقتصادية والسياسية التي باتت كيانية على لبنان. ولذلك، قرع الرئيس عون ناقوس الخطر مجدداً، وأبلغ مُفوَّض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي أن لبنان ليس في وارد إلزام أي من النازحين بالعودة الى سوريا في ظروف أمنية غير مستقرة، ولكن لا بدَّ من عمل دولي جامع لايجاد المناخ المناسب لتسهيلِ عودتهِم لأن بقاءَهُم في لبنان لا يمكن أن يدوم إلى الأبد، خصوصاً أن ظروف عيشهم على الأراضي اللبنانية ليست مريحة. وشدد على أهمية نجاح الحل السياسي، مطالباً المجتمع الدولي بالعمل لتسهيل عودة النازحين إلى بلدهم بالتنسيق مع الحكومة السورية.
وهذا الموقف نقله عون أيضاً إلى وزيرة الدولة لشؤون التنمية الدولية في بريطانيا بريتي باتل، متطلعاً الى دعم بريطانيا للوصول الى حلّ لمشكلة النازحين، عبر تسهيل عودتهم الآمنة الى بلادهم، مؤكداً أن لبنان لا يستطيع تحمُّل أعباء هذا النزوح غير المسبوق، والذي لا يزال يتعرّض له جراء الازمة السورية، مع الإقرار بأن التوصل الى حلّ سياسي لهذه الأزمة يبقى الضمانة الأولى. ودعا بريطانيا إلى الاستمرار في تقديم الدعم المطلوب، خصوصاً مع انعقاد مؤتمر للمتابعة في بلجيكا في نيسان/ابريل المقبل، لدراسة ما تم إنجازه حتى الآن من توصيات مؤتمر لندن للدول المانحة الذي عُقِد في شباط/فبراير من العام الماضي.

ماذا يقول غراندي؟
يُسأل غراندي: هناك مناطق في دمشق وحمص جرت فيها مصالحات أو تسويات بين النظام والمعارضة، فلماذا لا يكون متاحاً البحث في عودة اللاجئين اليها بالتنسيق مع طرفي الصراع؟ فيجيب: ليس هناك لاجئ يشعر بأن الوضع آمن في بلده ولا يرغب في العودة. كما ان الأمر لا يتعلق بمنطقة آمنة. فالأمور في سوريا ليست ثابتة، ومن الصعب تصنيف المستوى الأمني للمناطق والقول إن هناك منطقة آمنة، فهذه المنطقة قد تكون اليوم آمنة وغداً ربما يتدهور الوضع فيها.
وإذ يشيد بمستوى تحمّل اللبنانيين أزمة اللاجئين، قال: علينا أن نكون صبورين، وسيُصار الى طلب مزيد من الدعم والاستثمار في بنى لبنان التحتية خلال مؤتمر بروكسل الآتي للاجئين، علماً أنه سيكون مكمّلاً لمؤتمر لندن الذي جمع نحو 11 مليار دولار لمساعدة اللاجئين والدول المضيفة، ذهبت الحصة الأكبر منها الى النازحين داخل سوريا، وحصل لبنان على حصة زهيدة ومقسطة.
وكان البنك الدولي أكد ان الكلفة المباشرة للجوء الى لبنان تبلغ مليار دولار سنوياً، وغير المباشرة 3,55 مليارات سنوياً، أي ما مجموعه ٤.٥ مليارات.
ويشير غراندي الى أنه سيتم في بروكسل تفحُّص مسار صرف المساعدات التي أقرّت في لندن ومدى تلبيتها الحاجات وكيفية استخدامها، ودعوة الدول المانحة الى تعزيز دعمها للاجئين والدول المضيفة.
وعن الاحتقان الأهلي الذي يسببه التنافس في سوق العمل وغيره بين اللبنانيين والسوريين، وعدم التمكن حتى الآن من التأثير في مجال الدعم في الاستثمار الجدّي بالبنى التحتية الأساسية، يقول: نعرف حجم المعاناة الكبير، ونعلم أن الأمر لا يتعلق فقط بتقديم بطانيات، ولدينا إيمان بضرورة تقوية البنى التحتية اللبنانية وتطويرها، وعلى رأسها القطاع التعليمي، وهناك برامج للبنك الدولي لتعزيز إمكانات المجتمع المضيف واللاجئين على السواء، آملاً أن يكون حصاد مؤتمر بروكسيل فرصة أفضل من مؤتمر لندن.
الى ذلك، تعدّ المفوضية ملفها الانساني الذي سيحضر على طاولة محادثات السلام السورية التي ستحصل في جنيف بين النظام والمعارضة، كتتمة لمؤتمر أستانا، ويقتصر دورها على تزويد المؤتمر بالمعلومات عن الحاجات الانسانية وفق الأولويات وحض اللاعبين الفاعلين على الضغط من أجل تلبيتها.
وهل يخشى المفوض السامي من تغيير مخطط له للمشهد الديموغرافي داخل سوريا؟ لا، لكن حين نكون أمام موجات نزوح كبيرة، يصبح هناك خطر ألا يعود المهجرون الى بلدهم، او ان يعود لاجئون الى أماكن هجرها سكانها. لا نعلم حتى الآن ما سيجري في سوريا، لكننا نكرر ان ارادة اللاجئين أساسية في هذا السياق، وهم يخبروننا الى أين يرغبون بالعودة، وإذا لم يحترم الأمر نكون حينها أمام مشكلة.
ويقول غراندي إن قرار ترامب بتجميد اللجوء إلى بلاده ليس جيّداً. ففي السنة الماضية نجحنا في نقل 20 ألف لاجئ من لبنان، يمثلون نسبة صغيرة من حجم اللاجئين، واذا انخفض عدد هؤلاء نتيجة قرار ترامب فستتضرر روحية البرنامج. لكن القرار الأميركي ليس مستمراً، هو محكوم بمهل لأسابيع آتية تتم خلالها مراجعة ملفات، ونأمل في أن ينتهي الأمر بسرعة وتعود الأمور الى نصابها. فالبرنامج مهم جداً لأنه يستهدف اللاجئين الأكثر ضعفاً والذين يحتاجون الى حماية خاصة أو لديهم حاجات صحيّة، وعلينا التذكر ان بلداناً أخرى كأوستراليا ودول الاتحاد الاوروبي وكندا لم تقفل أبوابها في وجه اللاجئين. وهنا نحتاج الى الحديث مع الادارة الأميركية الجديدة التي لديها مخاوف من موضوع الهجرة واللاجئين وتفسير أهمية البرنامج.

نصرالله: تنسيق مع دمشق
وكان لافتاً، في الموازاة، إعلان الأمين العام ل حزب الله السيد حسن نصرالله أن على الحكومة اللبنانية إرسال بعثة لبنانية الى سوريا للاطلاع على المصالحات والتسويات التي حصلت في سوريا، للمساعدة في إقناع النازحين هنا كي يعودوا الى مناطقهم. وقال: على الحكومة اللبنانية أن تخرج من المكابرة، ويجب أن نتحدث الى الحكومة السورية بشأن ملف النازحين، خصوصاً أن الحكومة تتحدث مع كل الحكومات بما فيها من خلق داعش والذين قتلوا العسكريين اللبنانيين.
ورأى أن لبنان لا يمكنه معالجة هذا الملف لوحده، وإنما بالمشاركة مع القيادة السورية، مبدياً استعداد حزب الله للمساعدة في ملف عودة النازحين السوريين من لبنان الى سوريا. وأضاف: لقد فتح انتصار حلب مساحات في سوريا الى مساحات آمنة، في ظل وضع أمني جيد وحياة هادئة، وهذا يتطلب منا في لبنان ألا نجعل من ملف النازحين ملفاً طائفياً او مذهبياً.
ورأى أنه ملف ضاغط على كل اللبنانيين، ومن واجب جميع اللبنانيين متابعته انسانياً، ومن الضروري أن نتعاون كي يعود هؤلاء النازحون الى ديارهم، ولكن من موقع الإقناع وليس من موقع الإجبار.

خطة لبنانية في ملف النزوح
وكشف وزير الشؤون الاجتماعية بيار بو عاصي أن الحكومة اللبنانية بصدد تحضير خطة شاملة لملف النازحين السوريين تلحظ جانب مساعدة النازحين، وتأخذ في الاعتبار عدم قدرة لبنان على التحمُّل. فلبنان لم يعد باستطاعته استيعاب هذا العدد الهائل للنازحين ومن غير الممكن تحمل هذا العبء بمفرده.
وأضاف: الحكومة اللبنانية شكلت لجنة لمتابعة هذا الملف، ولإعداد ورقة ستكون الخطاب الموحد للحكومة اللبنانية من ناحية، ومن ناحية أخرى سوف تعد خطة عمل كي تأخذ بعين الاعتبار وضع النازحين وأيضاً وضع اللبنانيين الذين يعانون كثيراً من الوضع الضاغط للنزوح السوري.
وحول إمكان اتخاذ الحكومة إجراءات لعودة السوريين إلى المناطق الآمنة في سوريا، قال: المناطق الآمنة موضوع دقيق. فمن يحدّد هذه المناطق الآمنة؟ ونحن في انتظار تبلور الخطة الواضحة للحكومة اللبنانية التي آن الأوان أن يكون لها خطاب واحد في هذا الملف.

إلغاء الرسوم ورفض التنسيق
وشرح وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي الخطة المقبلة، وقال إنها تحتاج الى مزيد من العمل لترجمتها، وهي تقتضي إطلاق ورشة يرئسها الرئيس سعد الحريري والوزراء المعنيون بالملف. وتحدث عن إلغاء رسوم الإقامة للنازحين السوريين قريباً، مع توفير الظروف الإنسانية لهم كالملجأ والمشرب وتأمين فرص التعليم.
وقال: المجتمع الدولي أكد مطالبه لجهة عدم الترحيل القسري بانتظار ظروف العودة الآمنة الى سوريا، وتأمين الإقامة للسوريين من دون تحميل اللاجئ السوري كلفة الإقامة والرسوم. فما يهم الجهات المانحة هو أن تضع الدولة اللبنانية هذه التوجهات موضع التنفيذ في انتظار حل سلمي للأزمة السورية، لافتاً إلى أن خطة الاستجابة لأزمة النازحين هي بمثابة اتفاق برعاية أممية مع جميع المانحين والدول التي تقدم مساعدات الى لبنان، لا سيما أن الجميع يعلم مدى الضغوط التي يتعرض لها البلد جراء أزمة النازحين والتي تطال جميع اللبنانيين.
وأعلن المرعبي رفضه كل أشكال التنسيق مع النظام السوري. وقال: مشكلة المجتمع الدولي معه وليست مع أي بلد مضيف للنازحين، وأنا لا اعتقد ان من المفيد التواصل مع النظام... ولكن إذا أراد أحد التنسيق، فهذا شأنه.

90 يوماً لخطة ترامب
وينتظر كثيرون ما ستفضي إليه خطة الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي قال لمحطة أي بي سي نيوز إن الحكومة الأميركية ستنشئ مناطق آمنة في سوريا لاستيعاب النازحين السوريين. ووفقاً لوسائل إعلام أميركية، يُفترض أن يضع البنتاغون في غضون 90 يوماً خطة لإنشاء هذه المناطق في سوريا أو بلدان حدودية معها.
وقد بادرت تركيا إلى الإعلان عن أنها ستدرس عن كثب مشروع ترامب. وقال المتحدث باسم الخارجية حسين مفتي أوغلو: المهم كيف ستكون نتيجة تلك الدراسة ونوع التوصية التي ستخرج بها.
ويعلق وزير العمل السابق سجعان قزي على الدعوة الأميركية بالقول: دخل إلى لبنان حتى اليوم مليون و700 ألف نازح سوري، اضافة الى العمالة الاجنبية الاخرى، ولن يرجعوا الا اذا أقيمت لهم مناطق آمنة. وأنا طالبت كوزير بعودة النازحين الى سوريا، وما قام به دونالد ترامب اليوم، هو نفسه ما دعوت إليه في 17 ايلول/سبتمبر من العام 2016.
وأضاف: النازحون السوريون يأخذون مكان اللبنانيين في قطاعات عديدة في سوق العمل. واتمنى على الذين يتظاهرون اليوم أن يتظاهروا ضد الفعاليّات الموجودة في مناطقهم كالوزراء والسياسيين ورؤساء البلديات الذين يتصلون بوزارة العمل لأجل تسهيل أمور الاقامة للسوريين واعفائهم منها. وأضاف: حين كنت وزيراً للعمل، لم تكن هذه الفعاليات تقبل بمنح إجازات عمل وإقامات في مناطق إقليم الخروب للعمالة السورية، بل تطلب بإعفائهم منها. لذا أرى ان التحرك يجب ان يكون ضد السياسيين، والفعاليات الموجودة هناك. والمطلوب إتخاذ قرار وإعادة النظر في موضوع العمالة السورية ككل.
ورأى أن وزير العمل الحاليّ محمد كبارة يقوم بواجبه على أحسن ما يرام في هذا المجال. وأما عن دور وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي، فقال: لا سلطة له. وهذه الوزارة تتطلب قرارات على مستوى الحكومة ككل، لأن الحدّ من العمالة الأجنبية، وخاصة السورية، هي من مسؤولية وزارات كل من العمل والداخلية والعدل معاً.

مخاوف التوطين
لكن طرح ترامب إقامة مناطق آمنة في سوريا ودول الجوار ولبنان احداها، من دون أن يحدد كيف وأين، وفي ظل البحث حول المسألة داخل إدارة ترامب ومع الدول المعنية، يثير الشكوك من تداعيات للخطة قد تترك سلبياتها على لبنان.
وسبق لوزير الخارجية اللبناني جبران باسيل أن طالب بعودة النازحين السوريين منه الى مناطق آمنة في سوريا، لكن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، كانا يتحدثان عن عودة طوعية، في حين كان الوزير اللبناني يؤكّد على العودة الآمنة، لأن الطوعية تعني بقاء النازحين الى أجل غير مسمى، والتوطين المقنّع لهم في لبنان. فإذا لم تتمّ عودة النازحين إلى سوريا من دول الجوار، لا سيما لبنان الذي يستوعب نحو مليون ونصف المليون نازح سوري، إضافة إلى مئة ألف نازح فلسطيني قدموا من سوريا أيضاً، سيكون هناك خوف من توطينهم في هذه الدول، ومنها لبنان.
وهذا الأمر يقلق المسؤولين اللبنانيين الذين سمعوا دعوات من موفدين دوليين إلى أن يكون للنازحين برنامج إقامة دائمة في لبنان، وأن تكون عودتهم طوعية. وترامب نفسه تحدث عن المناطق الآمنة ثم عن توطين للنازحين، ما أثار تساؤلات عن ما قصده من طرح الموضوعين تباعاً.
وقد ترافق موقف ترامب حول موضوع النازحين السوريين، واللاجئين من دول عدة، مع إعلانه السماح بهجرة المسيحيين والأقليات الدينية المضطهدة من منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يذكّر بمشروع أميركي طُرح على القيادات المسيحية في لبنان في منتصف سبعينات القرن الماضي، بأن يتم نقل المسيحيين منه، الى دول آمنة، ليقيموا فيها، في مقابل أن يُوطَّن الفلسطينيون اللاجئون في لبنان. وقد نقل المشروع وزير الخارجية الأميركية هنري كيسنجر الى الرئيس سليمان فرنجيه في العام 1975، وقبيل إندلاع الحرب الأهلية فرفضه.
واليوم يطل مشروع توطين السوريين، لوقف تدفقهم الى الدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة. وفي انتظار إيضاح موقف ترامب في ما يتعلق بالمناطق الآمنة والتوطين والهجرة، والذي خلق بلبلة في الدول المعنية بالقرار، فإن القلق اللبناني من التوطين قائم.
ولذلك، يستنفر لبنان الرسمي لتقصّي المعلومات، خصوصاً أن هناك توجهاً في الأمم المتحدة يلتقي مع مشروع ترامب حول توطين النازحين السوريين، ولو باسم المناطق الآمنة، كان قد عبَّر عنه الأمين العام السابق للمنظمة بان كي مون في مواقف عدة.
فهل يتاح للبنان، ولرئيس الجمهورية تحديداً، أن يحوِّل فرصة انتخابه ووصول ترامب إلى البيت الأبيض، لمعالجة ملف النازحين السوريين في شكل عادل ومن دون أن يتكرَّس الخطر الكبير الذي يهدّد الكيان اللبناني؟
    قرأ هذا المقال   5486 مرة
غلاف هذا العدد