إختر عدداً من الأرشيف  
لبنان

- هل مطلوب أن يشحذ لبنان ليؤمّن الحياة الكريمة لضيوفه النازحين؟
- ضغوط النزوح تتزايد فيما اللبنانيون في الشارع يطالبون بلقمة العيش!
مرّة أخرى، يبدو لبنان في مواجهة مع الملف الأشدّ خطراً على كيانه، ملف النازحين السوريين والفلسطينيين الذين يقارب عددهم المليونين 1.5 مليون سوري و0.5 مليون فلسطيني، أي ما يوازي نحو نصف سكان لبنان من اللبنانيين.
ففي مسألة النزوح السوري، ليس في الأفق ما يؤشر إلى حلحلة في الأزمة السورية تسمح بعودة النازحين إلى وطنهم.وفي مسألة النزوح الفلسطيني المزمنة، منذ أكثر من نصف قرن، يقف الإسرائيليون حجر عثرة أمام أية تسوية تأخذ في الاعتبار حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه السليب. وتزداد الضغوط على لبنان، فيما شرائح لبنانية واسعة نزلت إلى الشارع للمطالبة بتحسين الظروف المعيشية المتردية.


وهكذا، لا يظهر الضوء في نهاية نفق النزوح. وعلى لبنان أن يصبر لإيجاد الحلول في الشرق الأوسط، وعلى المسؤولين فيه أن يتحلّوا بالحكمة في إدارة ملف النزوح حتى إيجاد الحلول بما لا يصيب الكيان اللبناني ويعرِّضه للخطر، نتيجة التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
حتى اليوم، يتعاطى لبنان الرسمي مع ملف النازحين وكأنه شأن هامشي. ففيما تدفق النازحون على لبنان على مدى سنوات حتى بلغوا في الديموغرافيا هذه النسبة العالية، كان الإرباك سائداً غالبية الأوساط السياسية والمسؤولين الرسميين. فسادت المزايدات والمتاجرات السياسية والفئوية. ولم يستطع لبنان اتخاذ قرار واضح، لا بإقامة مخيمات للنازحين ولا بتنظيم إقامتهم في مناطق انتشارهم في لبنان من أقصاه إلى أقصاه، فاختلط الحابل بالنابل، وسقط الجميع في العجز: النازحون والمجتمعات اللبنانية المضيفة، فيما الوعود بالدعم تبقى محدودة ومشروطة.
الشروط هي أن يقوم لبنان بتطبيع إقامة النازحين كجزء من مجتمعه الصغير، على أرضه الصغيرة 10452 كلم2، فيما الذين يملون الشروط على لبنان - كالولايات المتحدة وأوروبا الغنية وسواها - تقيم الدنيا وتقعدها إذا استقبلت بضع عشرات أو مئات من النازحين على أراضيها الشاسعة المترامية على ملايين الكيلومترات المربعة!
وفيما تظهر ملامح التشدد الأميركي بعد وصول الرئيس دونالد ترامب، ومعه التشدّد الأوروبي، في التعاطي مع اللاجئين من سوريا وبلدان الشرق الأوسط، تقوم القوى الدولية بالضغط على لبنان ليكون كبش الفداء في ملف النزوح.
والآن، هناك مَن يتحدث في لبنان عن استثمار سياسي محتمل في ملف النازحين. وثمة مَن يتوقع مفاجأة، في لحظةٍ ما، بإعلان لبنان الرسمي إقامة اتصالات مع الرئيس السوري بشّار الأسد حول ملفين متداخلين هما: النازحون والإرهاب. ويقول البعض إن هذه الطبخة موضوعة على نار قوية، وباتت شبه ناضجة، لكنها تنتظر اكتمال الظروف للإعلان عنها.
والسجال حول وجوب انفتاح لبنان الرسمي على نظام الأسد أو عدمه ليس جديداً. فمراراً، في ظل حكومة الرئيس تمام سلام، ولا سيما بعد عمليات القاع الانتحارية في حزيران/يونيو الفائت، رفع وزراء حزب الله وحلفاؤهم الصوت داعين إلى اعتماد هذا الخيار، لعله يساهم في ضبط تلك المنطقة الحدودية من الجانب السوري.
لكن وزراء 14 آذار عارضوا تماماً أي اتصال ذي طابع سياسي. فبالنسبة إليهم، لا اعتراف بالأسد ممثلاً شرعياً لسوريا. وفي المقابل، يعترف هؤلاء بمشروعية الاتصال الأمني بأجهزة الأسد لحلحلة مسائل حيوية، كالعسكريين المخطوفين لدى داعش، والنصرة سابقاً. وكذلك بعض المسائل المتعلقة بالإرهاب وخلاياه وتحركاته في لبنان والخارج.
وهذا النوع من الاتصالات بين الأجهزة اللبنانية والأجهزة السورية ليس مستغرباً، لأن أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية الفاعلة، بما فيها تلك التي تناوئ دولها النظام السوري، تمدّ أقنية الاتصال المكشوفة والمستترة مع أجهزته الأمنية وأمنه السياسي، للتنسيق في ملفات الإرهاب الزاحف نحوها، على رغم اقتناع البعض من قوى 14 آذار أن دمشق تستفيد من ورقة التطرُّف والإرهاب، لتصوير نفسها شريكة للمجتمع الدولي في المواجهة.

انفتاح على الأسد
على المستوى اللبناني، يتيح وجود الرئيس ميشال عون في بعبدا تحقيق هذا الهدف بسهولة. وقد بدأت ملامح الانفتاح على الأسد من الأسابيع الأولى. ويدعم ذلك الموقف المتشدِّد الذي يلتزمه عون في موضوع النازحين السوريين. وهو سيكون المفتاح لأية خطوة منتظرة.
ومع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، طرح فكرة إنشاء مناطق آمنة في سوريا، يمكن إيواء النازحين فيها. وهذا الأمر يعني لبنان مباشرة، لأنه أكبر المتضررين من تفاقم أزمة النزوح. وفي الجولة العربية التي قادت عون إلى الأردن، جرت مناقشة استراتيجية عودة النازحين السوريين إلى بلدهم.
ومن المقرر أن تبلور الإدارة الأميركية الجديدة تصوُّرها لهذا الملف في الأسابيع المقبلة. وفي ضوء ذلك قد يتخذ الملف اتجاهاً جديداً. وهنا يبرز الموقف الصادر عن دمشق أخيراً، الرافض إنشاء هذه المناطق الآمنة إلا بالحوار مع الأسد، لأن ذلك سيكون أمراً خطراً. وفي هذا التحذير ما يكفي من معانٍ. وموسكو تدعم دمشق في هذا الاتجاه.
إذاً، سيضع الرئيس الأسد دول الجوار لبنان والأردن وتركيا خصوصاً والعرب والغرب الخائف من الهجرة والإرهاب أمام خيارٍ صعب: إما أن نتعاون للمعالجة وإما التأزم والانفجار أينما كان. وفي المبدأ، الاتجاه يميل إلى التعاون. لكن كل طرف له حيثياته ومطالبه قبل أن يقول نعم.
لن يبصم أفرقاء 14 آذار على الاعتراف بالأسد رئيساً، ولكن، سيقول لهم حزب الله وعون: هذا الملف سيفجّر لبنان. فهل تفجير لبنان أسهل من اتصال مع الأسد؟ وهل عندكم حلّ آخر؟
ولماذا نتصل بأجهزة الأمن السورية في محاولة لإنقاذ عسكريين، ولا نتصل بالمؤسسات الأخرى إذا كان الأمر ينقذ الكيان برمته؟ ألم يتصل لبنان - ضمن لجان الارتباط - عسكرياً بالعدو الإسرائيلي لتحقيق مصلحة وطنية؟
وعندما يكون هناك سفير لدمشق في لبنان، يعترف به الجميع، وعندما يترجم هذا السفير العلاقات الديبلوماسية مع دمشق، أليس من التناقض رفض الاعتراف بالدولة التي يمثّلها؟
تحت هذه العناوين، سيتم التواصل رسمياً بين الحكومة اللبنانية ودمشق، بعد نضوج عناصر هذه العملية، على كل المستويات، السورية والعربية والإقليمية والدولية. وهو أمر لا يبدو بعيداً، لأن الملف السوري يتحرّك بسرعة. وعلى الأرجح، سيتم بين الربيع والصيف المقبلين.
وفي الانتظار، ثمة ترقب للمؤتمر الخاص باللاجئين المنتظر عقده في بروكسل، في 5 و6 نيسان/أبريل المقبل، وهو الأول الذي سيشارك فيه لبنان الرسمي منذ بداية عهد العماد ميشال عون وحكومة الرئيس سعد الحريري. فأي نهج سيعتمده المؤتمر تجاه أزمة النازحين؟ وهل سيمضي المجتمع الدولي في نهج الوعود والضغوط للتطبيع؟
يستعد لبنان الرسمي لمؤتمر بروكسل. وترأس رئيس الحكومة سعد الحريري اجتماعاً للجنة الوزراية المكلّفة إقرار استراتيجية لإدارة الملف وتداعياته من جوانبها الانسانية والاقتصادية والمالية، بما فيها دعم المجتمعات اللبنانية المضيفة وتعزيز الاقتصاد والبنى التحتية اللبنانية والخدماتية وتوسيع فرَص العمل. وجرى البحث في الخطة السياسية الشاملة، انطلاقاً من خطة لبنان للإستجابة للأزمة، التي أعلنت في 19 كانون الثاني/يناير الماضي، توصّلاً الى الخطة الشاملة التي ستعرض على المجتمع الدولي والدول المانحة لتحديد حصة لبنان من المساعدات الدولية كما تحددها الحكومة اللبنانية.
وفي المعلومات انّ الخطة توضع على أساس الأرقام المتوافرة عن عدد النازحين السوريين والتي بلغت مليونا ونصف مليون نازح، من بينهم مليون ومئة ألف سجّلوا أسماءهم لدى المفوضية العامة لشؤون اللاجئين، ومع اقتراح تخصيص مبلغ مليارين و48 مليون دولار لمواجهة الآثار المترتبة على حركة النزوح من الناحية الإنسانية، وجزء منها يخصّص لتوفير الإستقرار الإقتصادي في إطار الخطة التنموية الشاملة لدعم الاقتصاد والبنى التحتية.
ويُفترض أن يتمّ إنجاز هذه الخطة قبل نهاية الشهر الجاري لتعميمها على الجهات المانحة والمجتمع الدولي الداعم لخطط النازحين، ذلك أنّ لبنان سيشارك في الخامس والسادس من نيسان/ابريل المقبل في المؤتمر الخاص بالأزمة السورية وتداعيات النزوح الذي دعا اليه الإتحاد الأوروبي في بروكسل.

كثافة الولادات
وتشير إحصاءات وزارة الصحة العامة، وفق الطبيب المشارك في دائرة التوليد والأمراض النسائية في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فيصل القاق، الى أن عدد الولادات في لبنان بلغ 69948 لبناني، و39269 غير لبناني معظمها لسوريين لكون أرقام وزارة الصحة العامة لا تشمل الفلسطينيين في العام 2015. وتشير التقارير الى أن نسبة ٧٠% من النازحين السوريين هم من النساء والأطفال.
وتبيّن تقارير البنك الدولي أن معدل الولادة Birth rate على 1000 في لبنان بلغ 15 على ألف في العام 2014 بينما كان 38 على الألف في العام 1960. أما في سوريا فمعدل الولادة كان 48 على ألف في العام 1960 وانخفض إلى 23 على ألف في العام 2014. وتشير العمليات الحسابية، وفق القاق، الى أن معدل الولادة عند النازحين السوريين في لبنان يبلغ تقريباً 33 على ألف، ما يعتبر رقماً مرتفعاً. وتبيّن دراسات أخرى ارتفاع الزواج المبكر عند النازحين، وإظهار النازحات الصغيرات في السن، المتزوجات رغبة كبيرة في الإنجاب كدليل على الخصوبة.

مأزق المساعدات
وكان المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي أكد في تقريره حول لبنان، في 25 كانون الثاني/يناير الماضي، على عبء النازحين السوريين واثره السلبي في الاقتصاد اللبناني، لافتاً الى ان الصراع الذي طال أمده في سوريا لا يزال يرخي بظلاله. وشدد على ان حجم النازحين السوريين يمثل ضغطاً على المجتمعات المحلية، مما يفاقم ازمتي الفقر والبطالة، ويضع مزيداً من الضغوط على المالية العامة الضعيفة اصلاً وعلى البنية التحتية، داعياً المجتمع الدولي إلى ان يكون أكثر دعماً للبنان.
ويقول المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للامم المتحدة، فيليب لازاريني، إن لبنان كان في العام 2016، ثاني اكبر متلقٍ للمساعدات الدولية بعد سوريا، اذ حصل على ما يقارب 1.6 مليار دولار منذ مؤتمر لندن الذي عقد في شباط/فبراير الماضي، مشدداً على اهمية تحويل ازمة النازحين الى فرصة خصوصاً للمجتمعات المضيفة، ومقراً بقوله: لكن رغم ذلك لم نستطع معالجة كل جوانب وذيول الازمة، مشيراً الى ارتفاع نسبة الفقر وتراجع الاستثمارات الاقتصادية.
وقال لازاريني إن تقويم عام 2016 لمكامن الضعف للاجئين السوريين أظهر أن الأسر تعيش عند المستوى المعيشي الأدنى، بعد أن استنفدت مواردها المحدودة منذ فترة طويلة. كما أظهر التقييم أن ٧٠.٥ في المئة من اللاجئين السوريين يعيشون تحت خط الفقر مع ٣.٨ دولارات في اليوم، مع العلم أن نحو 30 في المئة من سكان لبنان يعيشون تحت خط الفقر، و10 في المئة يعيشون في فقر مُدقع.
وتشير أرقام المفوضية الأممية السامية لشؤون اللاجئين أن خمسة ملايين لاجئ سوري فرقتهم الحرب الأهلية الدائرة في بلدهم بين دول عدة، وأن غالبية هؤلاء من النساء والأطفال، في حين يصل عدد النازحين في الداخل السوري إلى أكثر من ستة ملايين. وتفيد أرقام الأمم المتحدة بأن حوالي 470 ألفاً قتلوا منذ اندلاع النزاع سنة 2011. وأن المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في سوريا يصل عددهم إلى حوالي 14 مليون شخص، وأن عدد المحرومين من الغذاء الكافي يقارب السبعة ملايين شخص. وأما الأطفال المحرمون من المدارس فيصل عددهم إلى مليون و700 ألف طفل.

مناطق التأثر بالأزمة

والمناطق الأكثر تأثراً بالأزمة السورية هي مناطق الأطراف، شمالاً وبقاعاً، والتي تُعتبر أصلاً مناطق منسية من قبل الدولة، ما زاد من حدة الأزمة فيها، نظراً إلى ضعف البنى التحتية من طرق وشبكات مياه وكهرباء، وغياب التنمية الحقيقية في ما خص الخدمات التعليمية والتربوية والاستشفائية بما يتلاءم مع حاجات المنطقة.
وتلك المناطق الحدودية كانت الأكثر تضامناً مع الثورة السورية، ويوم حصلت موجات النزوح، فتح الأهالي منازلهم للنازحين واحتضنوهم، ولا سيما أن الحكومة اللبنانية آنذاك لم تحذُ حذو دول الجوار في الأردن وتركيا التي أقامت المخيّمات وأطّرت وجودهم ضمن بقع جغرافية وفق قواعد وقوانين وإجراءات محددة.
فلم يكن في ذهن أي من النازحين السوريين أن وجودهم خارج بلادهم سيطول. ومع بداية الأزمة، كانوا يظنون أنها مسألة أشهر ليس أكثر. صحيح أنهم وسط بيئات حاضنة، ولكن حين تطول الأزمات وتضيق سبل العيش وتتراجع الخدمات، على قلتها أصلاً، ويبدأ التنافس على فرص العمل، سواء بشكل مشروع أو غير مشروع، لا بد من أن تنشأ حال من التوتر.
وتتنامى في مناطق لبنانية مختلفة الاعتراضات على منافسة اليد العاملة والمنتوجات السورية. وفي هذا السياق، اعتصم اصحاب المؤسسات في منطقة اقليم الخروب احتجاجاً على تهريب المنتوجات الأجنبية عبر الحدود واعتراضاً على منافسة التجار السوريين في المنطقة. وكذلك فعل تجار البترون واصحاب الفانات في الشويفات.
وحتى زحمة السير في لبنان، التي تحمّل الاقتصاد اللبناني خسائر يومية تقارب 5.5 ملايين دولار، مرتبطة بملف النازحين، بسبب دخول ما يقارب 400 الف سيارة الى بيروت يومياً، ووجود ما يقارب 1.6 مليون سيارة مسجلة في لبنان، تضاف اليها أعداد كبيرة من السيارات والمركبات المخالفة وغير المسجلة وسيارات اللاجئين السوريين.
ويقول وزير شؤون النازحين معين المرعبي إن المناطق الحاضنة للنازحين، سواء في عكار أو في البقاع تعاني. وعلى سبيل المثال، عرسال التي تستضيف مئة ألف نازح باتت مأزومة. وأبناء القرى يشعرون أن النازحين باتوا يفوقونهم عدداً وينافسونهم على لقمة العيش في أعمالهم وفي مجالات لم يكن السوريون سابقاً يعملون فيها.
فمنذ عشرات السنين، يقصد السوريون لبنان للعمل في قطاعات محددة، في الأعمال الزراعية الموسمية وفي البناء وفي أعمال بسيطة مثل النظافة وما شابه. وقد كان لليد العاملة السورية دور أساسي في حركة العمران في لبنان نظراً إلى النقص في اليد العاملة اللبنانية في هذا المجال. لكن الأمر تغيّر اليوم.
من هنا، كان توجه الحكومة في خطتها، تماشياً مع الحاجات والمتطلبات للنهوض مجدداً بلبنان واقتصاده، إلى التقدم بمشاريع أساسية في مجال البنى التحتية، التي باتت مسألة ملحة لمواكبة الزيادة السكانية الطارئة، إضافة إلى مشاريع تتناول استثمارات في مجالات إنتاجية عدة، ستنعكس إيجاباً على الاقتصاد اللبناني واستقراره الأمني وتشكل قاعدة انطلاق لعملية إعادة الإعمار في المنطقة، ولا سيما في سوريا مستقبلاً. وهذه المشاريع من شأنها، إذا جرى تبنيها دولياً وبوشر بتنفيذها، أن تؤمن فرص عمل للبنانيين والسوريين معاً كونها تدخل في إطار البناء والحاجة إلى اليد العاملة في هذا المجال، ما يجعل النازح السوري قادراً على الإنتاج بشكل طبيعي وقانوني من دون أن يترك ذلك أية حساسيات اجتماعية، ويستطيع تالياً تحسين ظروف حياته المعيشية بما يوفر له قدراً ممكناً من الحياة الطبيعية في انتظار أن تحل الأزمة في سوريا ويصبح بإمكانه العودة.

أزمة تعليم الأطفال
وتؤشر الأرقام إلى وجود 482761 طفلاً نازحاً في عمر الدراسة بين 3 سنوات و18 سنة، وفق منسّقة وحدة تعليم النازحين في وزارة التربية اللبنانية صونيا الخوري. وفي المعلومات أن نحو 210 آلاف طفل من هؤلاء هم على مقاعد الدراسة ضمن النظام التعليمي حسب المناهج السورية المعرّبة بغالبيتها والتي تختلف عن نظام التعليم اللبناني، فيما العدد الباقي ينتطر تنفيذ الخطط التي يتم إعدادها لاستيعابهم ضمن برامج نظام التعليم النظامي أو التعليم المهني أو إخضاعهم لدورات في التدريب المهني من أجل كسب مهارات معيّنة تخوّلهم أن يكونوا أشخاصاً منتجين في المستقبل، حيث أن الهدف المنشود هو استيعاب مئة ألف طفل إضافي للعام الدراسي 2017 - 2018، وستقوم بريطانيا بالعمل على دعم وزارة التربية اللبنانية تمويلاً ومتابعة.
والبحث يتمحور الآن حول الخطط طويلة الأمد والتي تطال التحدّيات الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن، إذا ما تفاقمت، أن تترك تداعيات أمنية. ولكن أيضاً من شأن تلك الخطط أن تساهم في تحسين ظروف حياة النازحين السوريين كما اللبنانيين، حتى ينعموا بقدر من الأمان الاجتماعي.
وقام وزير الدولة في وزارة التنمية الدولية البريطانية روري ستيوارت بزيارة لبنان تمهيداً لمؤتمر بروكسل وجال في البقاع وبيروت على أثر المساعدات التي تقدمها بريطانيا الى المجتمعات المحلية اللبنانية في مواجهة تداعيات الأزمة الناشئة عن استضافة أعداد هائلة من اللاجئين، وكيف يستفيد الأطفال في المدارس الحكومية من دعم بريطانيا للحصول على تعليم نوعي مجاني. والتقى وزير التربية مروان حمادة والوزير المرعبي والنائبة بهية الحريري ومستشارين للرئيس الحريري. وذكر بأن بريطانيا تستثمر في التعليم بستين مليون جنيه استرليني مع منظمة اليونسف، التي سيساعد 100 ألف طفل في الحصول على تعليم نوعي غير النظامي على مدى الأربع سنوات المقبلة، إضافة الى خدمات لحماية الطفل.
وقال حمادة: ضمن اللاجئين هناك ولادات غير مسجلة تناهز التسعين الف ولد ومن ضمنهم أصحاب صعوبات تعليمية وذوي احتياجات خاصة. وآمل انخراط المزيد من المانحين ورفع قيمة الدعم الدولي للبنان لكي يتمكن من بلوغ الأهداف التي حددها باستقبال نحو مائة ألف تلميذ نازح جديد في منظومة التعليم النظامي وغير النظامي والمهني والتقني.
وأطلق وزير التربية مرحلة جديدة من برنامج التعليم غير النظامي. ويتم التحضير راهناً لبرنامج محو أمية الأرقام والحروف، ويشمل المتعلمين من عمر العشر سنوات حتى السابعة عشرة. ويتم العمل على إعداد مضمون مناسب لهذا الغرض ويغطي هذه الفئات العمرية.
وأوردت دراسة عرضتها وحدة إدارة المشروع وجود ١٢٩.٦٩٧من الأطفال غير اللبنانيين ضمن الفئة العمرية من 3 إلى 5 سنوات، من بينهم ٢٦% في المدارس الرسمية أي ٣٣.٢٦٧ طفلاً، و١١% في مدارس خاصة أي ١٤.٨٢٧ طفلاً. و٦٤% غير ملتحقين بأية منظومة تعليم. وانطلاقاً من هذه الأرقام قررت الوزارة والمجتمع الدولي المضي قدماً في تنفيذ برنامج التعليم غير النظامي لإدخال أكبر عدد ممكن من الأطفال في منظومة التعليم في المدارس الرسمية وتمكين الجمعيات من استقبالهم بعدما تم تدريب هذه الجمعيات. وكشفت آخر الإحصاءات أن عدد الأولاد النازحين الموجودين في لبنان من عمر سنة واحدة حتى 19 سنة يبلغ 593 ألفاً و45 ولداً. وفي ما يتعلق ببرنامج التعليم المكثف فإن التطلعات للعام 2017 سوف تتيح لنحو 20 ألف طفل الدخول إلى المدارس الرسمية ضمن برنامج التعليم غير النظامي أيضاً.
وفي محور محو الأمية الرقمية والحروفية، فإن التطلعات للعام 2017 تلحظ إمكان إستقبال الجمعيات نحو 32 ألف ولد. وأكد المجتمعون أن التنسيق في هذه المجموعات سوف يتم بين الوزارة ومنظمة اليونيسف. وأما منظمة الأونيسكو فإن التنسيق معها يتناول برنامج التعليم المكثف للفئة العمرية بين 15 و18 سنة ويشمل نحو ألف ولد. وإذا تم جمع الأرقام المقدرة ضمن هذه المراحل مجتمعة فيمكن الوصول إلى نحو سبعين ألف متعلم، من أصل الأهداف المحددة بمائة ألف للمرحلة المقبلة.

تفاقم الأمراض
وعلى هامش المؤتمر السنوي الثامن عشر للجمعية اللبنانية للامراض الجرثومية والمعدية، أعلن الدكتور عبد الرحمن البزري أن هناك تأثيراً للنزوح في مجال الأمراض والأوبئة والبنى التحتية. وقال إن لبنان يأتي في المرتبة 137 من حيث غياب الشفافية والأولى في العالم من حيث استقبال اللاجئين. وهناك 6 ملايين نسمة، منهم مليون ونصف مليون سوري ومليون ونصف مليون لبناني يعيشون تحت خط الفقر. واعتبر ان الباب الأول لتأثير النزوح هو على الصحة العامة، وكذلك على البنى التحتية التي لا تستطيع ان تستوعب ال 6 ملايين الموجودين في لبنان، والمشكلة الثانية ان بعض النازحين يعانون أمراضاً غير شائعة في لبنان مثل ال ليشمانيا. وهناك ٥١% من غير اللبنانيين واليد العاملة يعانون التدرن. ويسهل انتقال الأمراض الجلدية بين الناس نتيجة وجود عدد كبير من النازحين في أماكن لا تصلح للسكن. وان ضغط اللاجئين قابل للاستمرار اذا استمرت الأزمة.
لقد تكبد لبنان خسائر تتجاوز ال 15 مليار دولار أميركي، نتيجة تداعيات الأزمة السورية، ولا سيما أزمة النازحين. ووصل مستوى الدين إلى 75 مليار دولار، مع تباطؤ في النمو وصل إلى ١% وبطالة لامست ٣٦% في صفوف الشباب. وسيكون لبنان في حاجة خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى ما بين 8 مليارات دولار و10 مليارات، في شكل استثمارات جديدة، ليعوض التدهور الذي جرى في السنوات الست الأخيرة.
فهل سيتمكن لبنان من تدارك العواقب أم سيقع تحتها، بفعل الضغوط التي يتعرض لها وانعدام الحلول لأزمة النازحين السوريين والفلسطينيين؟
    قرأ هذا المقال   1612 مرة
غلاف هذا العدد