إختر عدداً من الأرشيف  
العالم

فرض عقوبات اميركية على نائب الرئيس طارق العيسمي

تقارير تتهم حكومة فينزويلا بترسيخ علاقاتها
مع عصابات المخدرات مقدمة لضربة أميركية
تُعتبر جمعية إنسايت كرايم أو النظرة الفاحصة حول الإجرام من أبرز الجمعيات غير الحكومية المتخصصة في دراسة الإجرام المنظم في القارة الأميركية، وبصورة خاصة في أميركا اللاتينية. وتحظى هذه الجمعية بدعم مؤسسة المجتمع المفتوح التي أنشأها ويدعمها المضارب اليهودي الأميركي المعروف جورج سوروس، والأهداف المعلنة للمؤسسة المذكورة الترويج للديمقراطية والحرية في العالم. وقد أصدرت إنسايت كرايم مؤخراً تقريراً أكدت فيه أن الدولة الفينزويلية برئاسة نيكولاس مادورو ترسخ حالياً صلاتها بجماعات الإجرام المنظم. وهناك شكوك في أن يكون التقرير موجهاً من جهات أميركية معنية في اطار الحملة الأميركية لإسقاط النظام.
ومن المحتمل أن يكون لهذا التقرير تداعياته وإنعكاساته الخطيرة على مسرح الأحداث في أميركا الجنوبية، وذلك في سياق التوتر الشديد الذي يسود العلاقات بين الولايات المتحدة وفينزويلا، حيث أن المعلومات الواردة في التقرير قد تشكل الأساس القانوني لإتخاذ أميركا إجراءات مشددة ضد حكم مادورو، وذلك في ظل حالة الفوضى والإنهيار الإقتصادي السائدة في هذا البلد، مع إنتشار شائعات عديدة بهذا الصدد من قبيل إمكانية حصول إنقلاب عسكري أو ثورة شعبية شاملة، أو ما شابه...

تقرير جمعية إنسايت كرايم
الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية التي يعيشها البلد كانت السبب في انتشار الإجرام وفي تعزيز الإقتصادات الموازية، في حين أن العقوبات الدولية المتخذة ضد المسؤولين الحكوميين، بمن فيهم الرئيس نيكولاس مادورو، فشلت في تحقيق هدفها بإضعاف سلطة النظام وساعدت على تقوية صلات زعماء البلد مع الإجرام العابر للحدود.
وقد بينت التحقيقات الميدانية التي أجرتها إنسايت كرايم أن المخدرات الكولومبية ما تزال تعبر الحدود مع فينزويلا بحرية. وباتت طرق التهريب تخضع لسيطرة عدة جماعات إجرامية جديدة في أعقاب وقف جماعة فارك الثورية المتمردة في كولومبيا لعملياتها الحربية. مثال على ذلك أن خبراء أكدوا ل إنسايت كرايم في شهر آب/أغسطس الفائت أن جماعة كولومبية متمردة أخرى، جيش التحرير الشعبي إي بي أل قد أقامت وجوداً لها في فينزويلا للمرة الأولى في 2017، مع جماعة راستروجوس التي كانت إحدى أقوى المجموعات الإجرامية في كولومبيا في وقت من الأوقات، وبدأت تظهر في فينزويلا بعد أن إختفت من بلدها الأصلي كولومبيا من الناحية العملية.

كما زادت أهمية دور الفينزويليين في تهريب المخدرات عبر منطقة البحر الكاريبي، وفق ما لاحظته جمهورية الدومينيكان ذلك العام. والفينزويليون هم الآن بصدد الحلول مكان الكولومبيين ليتولوا دور نقل المخدرات وتهريبها بواسطة مركبات بحرية سريعة.
وفي حزيران/يونيو، أفادت إنسايت كرايم بأن أربعة من كل خمس مركبات بحرية سريعة تصل إلى جمهورية الدومينيكان ناقلة شحنات من الكوكايين تحمل فينزويليين على متنها.
وقال فيري ترونكوزو، المدعي العام الرئيسي المكلف بقضايا المخدرات في مقاطعة سانتو دومينغو إلى إنسايت كرايم أنه في كل أسبوع، ومنذ تشرين الاول/أكتوبر 2016، يلقي المسؤولون الأمنيون القبض على ثلاثة إلى أربعة فينزويليين يصلون إلى مطارات البلد مع مخدرات يكونون إما بلعوها لإخفائها في إمعائهم أو أنها مخبأة في حقائب.

القبضة الحديدية لمادورو
يقول مايك فيجيل، وهو عميل متقاعد لإدارة مكافحة المخدرات في الولايات المتحدة دي إي إي من المؤسف أن فينزويلا هي الآن دولة ساقطة يحكمها نظام يعتمد على تهريب المخدرات، وقد أتى كلام فيجيل الموجه إلى إنسايت كرايم، الذي يملك خبرة بالعمل في أميركا اللاتينية لعشرات السنين في مكافحة تهريب المخدرات، بعد مرور يومين فقط على الإنتخابات التي عززت سلطة مادورو في شهر آب/أغسطس الماضي.
وحين حظي مادورو بدعم الجمعية الوطنية، استطاع أن يتخطى نطاق النزاعات السياسية بكل راحة في 2017. وأنه حين بدا أن إدارته تضعف، كان يعمد إلى إتباع سياسة القبضة الحديدية أو سياسة مانو دورا باللغة الإسبانية، بما في ذلك قمع الإحتجاجات السياسية والإستمرار في إتباع السير في المبادرة الأمنية المثيرة للجدل والمعروفة بعملية تحرير وحماية الشعب أو أل بي. وقد أدت إستراتيجية أو أل بي إلى قتل أكثر من 500 شخص على أيدي قوات الأمن الرسمية، فضلاً عن التقارير التي تفيد بممارسة أعمال التعذيب وإنتهاكات أخرى لحقوق الإنسان.
وقد بدا ان السياسات الأمنية المتشددة لإدارة مادورو قد ساهمت في إستقرار الساحة السياسية حتى نهاية السنة 2017. على أن مقاربة القبضة الحديدية لم تترك أثراً يُذكر في ما يتعلق بالتقليل من إستشراء الإجرام. لقد حصل ما يزيد على ألف عملية قتل في 2017 وفق بعض التقديرات. ويرجح أن تأتي أرقام 2017 تلك قريبة لأرقام 2016 حيث سجل مكتب النيابة العامة 21752 عملية قتل. تأتي هذه الأرقام لتعطي نسبة 70 عملية قتل لكل 0١٠ ألف نسمة في 2016، وهي من أعلى النسب في أميركا الجنوبية.

طارق العيسمي
لقد فرض مكتب مراقبة الموجودات الأجنبية التابع لوزارة المالية الأميركية عقوبات على أكثر من عشرة مسؤولين حالي وسابق في شهري شباط/فبراير وتموز/يوليو. ولعل طارق العيسمي، نائب الرئيس الفينزويلي، هو الشخصية الرسمية الأبرز التي دخلت في قائمة المكتب في شباط/فبراير، وقد فرضت وزارة المال الأميركية عقوبات على العيسمي بسبب ما قيل بأنه متورط في تهريب المخدرات، الأمر الذي جعل منه الشخصية الحكومية الأعلى مرتبة المتهمة بهذا الجرم. كما تم توريطه في خط أنابيب إجرامي إرهابي قيل أنه يضم ناشطين إسلاميين مع تحويل أموال غير شرعية ومخدرات إلى الشرق الأوسط.
وقامت الحكومة الأميركية بتجميد أموال العيسمي والشخص الذي يمثل واجهته في أعماله الخاصة سامارك لوبيز بيللو تحت ذريعة توفير المساعدة المادية والدعم المالي على شكل سلع وخدمات إلى نشاطات دولية لتهريب المخدرات تعمل من أجل أو بإسم العيسمي، وفق ما جاء في البيان الصحافي حيث تم الإعلان عن العقوبات.
وقد كسب العيسمي المزيد من السلطات بصفته نائباً للرئيس. فخلال إنتخابات شهر تشرين الاول/أكتوبر لحكام الولايات، ساعد العيسمي على فوز العديد من حلفائه على رأس ولايات أساسية لعمليات تهريب المخدرات ونشاطات إجرامية أخرى مثل ولايتي سروكري وأراغوا.
ولاية أراغوا التي عمل العيسمي حاكماً لها، وحيث إنتخب أحد حلفائه مؤخراً، هي أيضاً قاعدة عمليات جماعة ترين دي أراغوا، وهي عصابة رئيسية مسلحة بكثافة تعمل إنطلاقاً من سجن توكورون.
وقد أتت موجة ثانية من العقوبات في تموز/يوليو الفائت وسط نشوب إحتجاجات سياسية. هذه العقوبات شملت الرئيس نيكولاس مادورو. وفي كانون الأول/ديسمبر، قضت محكمة أميركية بالسجن نحو عشرين عاماً على إثنين من أولاد أخوة مادورو بتهمة التآمر على شحن 800 كلغ من الكوكايين إلى الولايات المتحدة.

تعزيز السيطرة العسكرية
كانت العسكرة من العوامل الدائمة في إدارات الرئيس الراحل هيوغو تشافيز وخليفته مادورو. والإدارة الحالية ضربت ارقاماً قياسية في تعيين ضباط عسكريين وزراء، مع أكبر عدد من العسكريين أعضاء في الحكومة على مدى السنوات ال17 الأخيرة. وفي تموز/يوليو، عين مادورة الجنرالات - جمع الرتبة العسكرية جنرال - كارلوس أوزوريو رامبرانو، خوان دي جيوزس توسان ولويس موتا دومينيغيز وزراء في الحكومة. لقد إتهم هؤلاء الجنرالات بالتورط في الإتجار غير الشرعي للأغذية، الأدوية، الذهب والأحجار الكريمة.
تثير العسكرة الحالية لفينزويلا القلق بالنظر إلى أن القوات الأمنية في البلد فقدت شرعيتها مع النشاط الإجرامي المستشري في صفوفها، وفق ما كتبته إنسايت كرايم عقب التعديل الذي طرأ على تشكيل الحكومة في حزيران/يونيو. والإتجاه نحو العسكرة لا يبشر بالخير في ما يتعلق بالمعدلات المرتفعة للعنف في البلاد.
وقد قويت سطوة مادورو والمحيطين به مع أواخر 2017. نائب الرئيس، والذي أصبح أحد أكثر المقربين إلى مادورو، أعلن أن رئيسه سوف يترشح لإعادة إنتخابه في 2018. وبالنظر إلى هذا الإنتخاب، قام مادورو بإجراء المزيد من التعديلات في حكومته، مع تعيين المزيد من الضباط العسكريين في مراكز عليا. ويأمل مادورو بأن يحصِّن نفسه ويحمي السلطة التي تتصف بها إدارته بمساعدة هؤلاء العسكريين المسؤولين.
قام مادورو والعيسمي بتعيين عسكريين موثوقين من جانبهما في المراكز الأساسية، وغالبية هؤلاء أتوا من الحرس الوطني.
    قرأ هذا المقال   116 مرة
غلاف هذا العدد