إختر عدداً من الأرشيف  
العرب

الأجواء الروحانية في إفطارات الشهر الفضيل
الشيخ نهيان بن مبارك:
التسامح ونبذ العنف ثقافة عامة في دولة الإمارات
كتب جورج طراد

ما إن هلَّ هلال شهر رمضان المبارك، قبل أيام، حتى عادت الأجواء الروحية الصافية الى قصر الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان في البطيْن. وهي أجواء باتت جزءاً لا يتجزأ من تراث أبوظبي حيث يرتاد هذا القصر العريق مئات الزوار يومياً من مواطنين ووافدين من كل الجنسيات. كلّهم يجلسون الى مائدة الإفطار العامرة التي يقيمها سيد القصر يومياً منذ عشرات السنين، وهو تراث عريق يحافظ عليه وزير التسامح الاماراتي، الشيخ نهيان بن مبارك، منذ أيام المغفور له والده الراحل الشيخ مبارك بن محمد. ويكون الشيخ نهيان في استقبال الزوار محاطاً بأنجاله، ما يعني ان الحفاظ على هذه التقاليد العربية العريقة هو جزء أساسي من قناعة هذه العائلة الكريمة.
التسامح الذهبي
وطوال أيام الشهر الفضيل تتواصل الافطارات الرمضانية في قصر الشيخ نهيان، وضيوفها هم من كل الجنسيات والأديان والمعتقدات. وهذا في حد ذاته تجسيد حيّ لصفات الاعتدال والانفتاح وقبول الآخر التي أرسى قواعدها مؤسس الدولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان وسار على هديها من بعده اولاده وأخوانه وكل المسؤولين في الدولة، بحيث يمكن التأكيد ان دولة الامارات العربية المتحدة هي دولة تحتضن الجميع وتمنحهم الأمن والأمان طالما هم يحترمون القوانين ويتقيّدون بالأنظمة المرعية الإجراء.

من هذه الزاوية بالذات يمكن القول ان الشيخ نهيان بن مبارك، عندما تسلّم حقيبة وزارة التسامح في الحكومة الاماراتية قبل سنة ونيّف، انما كان الرجل المناسب في المكان المناسب، بحيث يصحّ القول إن القوس قد أُعطيتْ باريها، كما كان يقول العرب. فالرجل محاور من الطراز الأول يجيد الإصغاء بانتباه وعمق وعندما يتكلم يكون قوله موزوناً ومدروساً ونابعاً عن شخصية متوازنة ومنفتحة تعبّر خير تعبير عن طبيعة المجتمع الاماراتي المنفتح على كل الناس والآراء والمعتقدات ضمن الأصول القانونية والإنسانية.
ثم إن مجلس الشيخ نهيان اليومي على مدار أيام السنة يشهد بذلك. فأنت ترى ضيفه متمتعاً بكامل حرية الرأي ويعبّر عن نفسه من دون أية ضغوطات أو عقبات. كذلك يتجاور في مجلسه العقائدي والليبرالي، والمؤمن وغير المؤمن ومواطن النظام الاشتراكي مع مواطن النظام الرأسمالي. كلهم يتحاورون ويتناقشون تحت نظر سيّد المكان الذي يحترم كل الآراء ويُفسح لها في المجال للتعبير عن نفسها ضمن قواعد قبول الآخر ومحاورته وتبادل الأفكار والآراء.

ثقافة مجتمع
وهذا بالتأكيد هو الوجه العملي للتسامح. لذلك ليس بغريب أبداً أن يكون الشيخ نهيان بن مبارك وزيراً للتسامح في دولة متسامحة أصلاً هي دولة الامارات العربية المتحدة. والدليل على هذا ان الشيخ نهيان، في كل مجالسه وأمام كل الوفود الرسمية التي تقصد دولة الامارات، يحرص على التذكير والتأكيد بأن التسامح هو جزء لا يتجزأ من ثقافة المجتمع الاماراتي، يمارسه الناس تلقائياً، وبشكل طبيعي لأنه مرتبط بقناعاتهم ونابع من شخصياتهم.
وقد أكد الشيخ نهيان قبل أيام، أمام وفد أميركي يزور البلاد، ان مؤسس الدولة وباني نهضتها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان كان يؤكد بالقول والفعل أهمية التسامح والتعايش بين الشعوب، وأن خليفته رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد يرى التسامح وسيلة أكيدة في السلام والتنمية. كذلك فإن نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد ينظر الى التسامح باعتباره مكوّناً أساسياً في سعي الإمارات الى أن تكون دولة رائدة عالمياً، على حد تعبير الشيخ نهيان الذي يؤكد أن ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الشيخ محمد بن زايد، يقول لنا دائماً إننا في عصر يجعل من التعايش والتسامح واحترام التنوع ضرورات أساسية للتقدم والرخاء.

الإمارات نموذجاً
ويستنتج الشيخ نهيان بن مبارك من كل هذا أن توجُّه دولة الإمارات لترسيخ التسامح محلياً واقليمياً ودولياً هو من ثوابت سياسات الدولة وإرثها في إرساء علاقاتها مع جميع الحضارات والثقافات والأديان من حولها، مؤكداً أن دولة الإمارات العربية المتحدة، قيادة وحكومة وشعباً، تحرص على تعزيز قيم التسامح والإحترام والتعايش والوئام بين كل مكوّنات المجتمع من دون تمييز على أساس من الجنس أو الأصل او العرق أو اللون أو الدين أو العقيدة أو المذهب أو الطائفة أو الملّة أو المركز الإجتماعي.
وثقافة التسامح هذه التي يعيشها المجتمع الإماراتي عن قناعة راسخة ليست مجرد نظريات فكرية أو شعارات برّاقة، انما هي واقع معيوش ويومي يلمس آثاره كل من يزور أبوظبي ويتردد على مجالس كبار المسؤولين فيها ومن بينهم وزير التسامح، الشيخ نهيان بن مبارك، بطبيعة الحال. وهو يؤكد على هذا الصعيد إن دولة الإمارات حريصة على انتهاج التسامح، سواء على المستوى المحلي بين مواطنيها والمقيمين على أرضها من مختلف الجنسيات والأعراق، وعالمياً على مستوى الدول والمؤسسات الدولية ذات الصلة. كما ان لديها عدداً من التشريعات القانونية التي تضمن توفير أعلى مستويات العدالة وقبول الآخر ونبذ التعصب، بل وتجريمه، إيماناً من قيادتها الرشيدة بأهمية التسامح كمنهج حياة يدعم السلام والأمن الاجتماعي على المستوى المحلي، كما يمكنه التعامل مع كل التحديات على المستوى الدولي. فالتسامح هو أحد ثوابت سياسات الدولة في إرساء علاقتها مع جميع الحضارات والثقافات والأديان من حولها.
طبعا، تنسحب قناعة التسامح لتشمل كل شيء تقريبا من مناحي الحياة، لا سيما القضايا التي تثير خلافات تتفاقم الى نزاعات دامية وحروب. وما يشهده العالم، في اكثر من مكان، ليس سوى نتيجة مباشرة لغياب مفهوم التسامح عن سياسات الدول او المجموعات التي غالبا ما تتنازع حول الدين والمعتقدات وتتحول نزاعاتها تلك الى حروب، مع ما ينجم عنها من موت ودمار وفقر.

تجربة الامارات
الدواء الوحيد لكل هذه الويلات هو التسامح وقبول الآخر كما هو، واحترامه كوجود مستقل، له الحق الكامل بالحياة المستقرة. وقد عبّر الشيخ نهيان بن مبارك عن ذلك بواقعية عميقة في الكلمة التي القاها قبل ايام مفتتحا فعاليات المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة - الفرص والتحديات، وذلك حين قال: إن المجتمعات البشرية الآن، قد أصبحت جميعها تتسم بالتنوع والتعددية في خصائص السكان الدينية والعرقية، وحتى في الخصائص الاقتصادية والاجتماعية، نحن في عالم تكتسب فيه العلاقات بين الأغلبية والأقليات في المجتمع أهمية قصوى في تشكيل معالم الحاضر والمستقبل، وأصبح التعامل مع ظاهرة التنوع والتعددية في خصائص السكان، واحدة من أهم التحديات التي تواجه البشرية في هذا العصر. إننا نلاحظ من حولنا آثار ونتائج الفشل في التعامل مع هذه الظاهرة من نزاعات وصراعات وتهجير قسري للسكان، بل وكذلك انتشار الأفكار المتطرفة والهدامة ومحاولات فرضها على السكان بالقوة والعنف، نرى في العالم من حولنا، مع الأسف، أن العلاقات غير السوية بين الجماعات داخل المجتمع الواحد، تمثل تهديدا خطيرا لبنيان ذلك المجتمع ولنظامه العام ولقدرته على استيعاب وتمكين جميع فئات السكان فيه، ونلاحظ من جانب آخر، أن المجتمعات الناجحة في استيعاب وتمكين جميع السكان فيها، هي بصفة عامة، مجتمعات متقدمة ينتشر فيها الأمان والسلام والانتماء والولاء والنظرة الواثقة نحو المستقبل.
وهنا ايضا لا يكتفي وزير التسامح الاماراتي الشيخ نهيان بن مبارك، بتعداد النظريات والآراء العامة حول اهمية الاستقرار وارساء التفاهم والسلام بين ابناء المجتمعات، وانما ينتقل الى اعطاء مثال واقعي حيّ حول ايجابيات توفير الظروف الملائمة للاستقرار، فيضرب المثال بحالة دولة الامارات العربية المتحدة، وذلك امام حضور حاشد ومميز في المؤتمر شمل ٦٠٠ شخصية بارزة جاءت من ١٤٠ دولة، فقال:
إن تجربتنا في الإمارات تشير بكل وضوح، إلى أن التسامح والتعايش بين الأفراد والجماعات والعمل المشترك في سبيل خدمة الوطن والعالم، هو أمر يتطلب توافر عوامل متعددة، أهمها: وجود قيادة وطنية واعية وحكيمة، وشعب مسالم حريص على تحقيق، كل ما يترتب عن التسامح والسلام من تقدم إنساني ومجتمعي واقتصادي مرموق، بالإضافة إلى مؤسسات التعليم والإعلام التي تقوم بدورها من دون تعصب أو تشدد أو إنحياز إلى جانب تكاتف مؤسسات المجتمع العامة والخاصة والدينية والمدنية على السواء، لمكافحة التعصب والتطرف والحث على احترام الآخر، والتمسك بالقيم الإنسانية التي نشترك فيها جميعا كسكان في هذا العالم الواحد. نحن في الإمارات، ننطلق في ذلك كله، من تعاليم الإسلام الحنيف، ومن تراثنا الوطني والقومي الخالد، ومن العزم والتصميم على أن تكون الإنجازات الهائلة التي تحققها الدولة في جميع المجالات، قوة دفع إيجابية لتحقيق السلام والرخاء في المجتمع. إنني أشير إلى ذلك كله، لأنني أرجو أن يكون نموذج الإمارات في بناء المجتمع البشري الناجح أمامكم، وأنتم تبحثون سبل تمكين المجتمعات المسلمة في العالم، بل وأنتم تدرسون كذلك، دور الدول ذات الأغلبية المسلمة في تشكيل نظرة العالم إلى الإسلام والمسلمين.

روحانية رمضان
بالتأكيد، ان تجسيد دولة الامارات العربية المتحدة لايجابيات التسامح الذي ينعكس استقراراً ونمواً وازدهار هو نموذج يحتذى يجدر بالعالم أجمع ان يقتدي به ويسعى الى النسج على منواله. فالتجربة قد أثبتت نجاحها باعتراف الجميع، كما برهنت على انها مرتبطة بحرص من القيادة وبالتفاف من المواطنين، لكي تبقى قائمة وتصمد في وجه السلبيات التي تعصف بالعديد من دول المنطقة، القريبة منها والبعيدة على حد سواء. ووزير التسامح، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، يعبّر عن كل هذا، مُظهراً الصورة الحقيقية المشرقة للمجتمع الاماراتي. وهي صورة يلاحظها الزائر بكل سهولة حيث يلمس لمس اليد تأثير الاستقرار والانفتاح على معدلات النمو والازدهار.
بعد كل هذا تأتي طقوس شهر رمضان المبارك في أبوظبي عموماً، وفي قصر الشيخ نهيان خصوصاً، لتؤكد ان الصفاء الروحي هو ايضاً نتيجة من نتائج التسامح الذي يبعد عن التشنج ويجعل المرء يعيش متصالحاً مع نفسه ومع محيطه... وهذا كله واحد من نتائج التسامي والتطهّر الذي تلفنا به احتفاليات الشهر الفضيل، خصوصاً عندما نعيش اياماً رائعة منها في حمى وزير التسامح الاماراتي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان.

كادر

اسئلة محورية لنبذ التطرّف
في كلمته العميقة والشاملة امام اكثر من ٦٠٠ شخصية جاءوا من ١٤٠ دولة للمشاركة في المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة - الفرص والتحديات، طرح وزير التسامح، الشيخ نهيان بن مبارك، مجموعة من الاسئلة المحورية العميقة من اجل الوصول الى عيش مشتركة وهادئ بين المسلمين وغير المسلمين في بلداننا وفي العالم بأسره. وهي اسئلة/تساؤلات تصلح لان تكون دستوراً للعمل على نبذ العنف والتطرّف. وأبرز تلك الاسئلة التي طرحها الشيخ نهيان التالي:
ما هو دور كل مجتمع مسلم في توعية أبنائه وحمايتهم من الوقوع فريسة للانعزال والتطرف؟ كيف تستطيع كل جالية مسلمة تطوير قدراتها الذاتية، على تأكيد معاني وقيم التسامح والتعايش السلمي، والعمل الوطني المشترك مع الجميع؟ ثم ما هو دور المجتمعات المسلمة في مكافحة ظاهرة الخوف من الإسلام والمسلمين الإسلاموفوبيا، التي نراها الآن، في المجتمعات الغربية بالذات؟ ما هو دورها في ما قد يحدث لأفرادها من تفرقة أو تمييز أو عنف أو تهديد؟ كيف تتعامل هذه المجتمعات، مع وسائل الإعلام ومع المواقع الإلكترونية ووسائل الاتصال المجتمعية التي تنشر صورا سلبية عن المسلمين من جانب، والتي قد تجذب الشباب المسلم للانحراف الفكري والسلوكي من جانب آخر؟ كيف تسعى المجتمعات المسلمة إلى الإسهام الكامل والناجح في الحياة السياسية والمجتمعية لدولهم، وإلى عدم إتاحة الفرصة أمام المتطرفين في المجتمع للهجوم على الإسلام والمسلمين؟.
كيف تكون الجالية المسلمة قوة إيجابية لمكافحة التطرف والتشدد بين أعضائها والتعاون مع الجاليات الأخرى، في سبيل تحقيق السلام والوفاق؟ كيف تعمل المجتمعات المسلمة على تحسين التعليم والخدمات الصحية وظروف المعيشة لأعضائها وفي المجتمع كله، والتخلص من الفقر والفشل والتشاؤم والسعي إلى تحقيق الثقة والأمل والانفتاح الواعي على الآخر؟ كيف تسعى المجتمعات المسلمة إلى بناء تحالفات ناجحة، داخل كل دولة تضم المسلمين وغير المسلمين من ذوي النوايا الحسنة، من أجل الاستيعاب الناجح للمهاجرين ومن أجل تحسين جودة الحياة للجميع؟ وأخيرا، كيف يتواصلون مع إخوانهم في الدول الإسلامية، في إطار اعتزاز كبير بمجتمعاتهم واحترام كامل لسيادة الدول التي ينتمون إليها؟.
    قرأ هذا المقال   744 مرة
غلاف هذا العدد