إختر عدداً من الأرشيف  
رفيق خوري

قمة هلسنكي: عن اميركا اولاً
الى اميركا ثانياً و روسيا اولاً
قمم الكبار تثير احيانا بعض العواصف، من حيث يراد منها انهاء عواصف. وليس من السهل على الرئيس دونالد ترامب احتواء العاصفة التي هبّت داخل اميركا على مواقفه في قمة هلسنكي مع الرئيس فلاديمير بوتين. لا فقط من خصومه الديمقراطيين وفي طليعتهم زعيم الاقلية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر ونانسي بيلوسي الرئىسة السابقة لمجلس النواب، بل ايضا عن زملائه الجمهوريين وخصوصا الكبار منهم: السناتور جون ماكين رئيس لجنة القوات المسلحة، رئيس مجلس النواب بول رايان، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بوب كوركر. كان ترامب خلال الحملة الانتخابية ثم في ممارسته للرئاسة يصف الرئيس باراك اوباما بانه ضعيف ساهم في اضعاف قوة اميركا ودورها الكوني، ويتعهد بان يفعل عكسه. وهو يعرف ان اوباما اشرف على الهبوط الناعم لقوة اميركا ودورها الاحادي، وكان ولا يزال محترما في اميركا والعالم، وان حمّلته دول في المنطقة المسؤولية عن الرهان على الاخوان المسلمين في الربيع العربي وعلى تنامي النفوذ الايراني مقابل التخلي عن امتلاك السلاح النووي بموجب الاتفاق النووي بين طهران ومجموعة ٥١.


لكن ترامب الذي اعلن انسحاب اميركا من الاتفاق شرشح الرئاسة بمقدار ما اضعف اميركا وسمح لخصومها بالاستقواء عليها. فلم يسبق للشعب الاميركي ان رأى رئيسا يؤيد خصما بالطريقة التي فعلها ترامب مع بوتين، حسب تشاك شومر. وما قاله في المؤتمر الصحافي مع بوتين هو أسوأ محطة في تاريخ الرئاسة الاميركية، حسب جون ماكين. اذ هو اتفق مع بوتين على نفي التدخل

الروسي في الانتخابات الرئاسية لمصلحته، وهاجم المحقق الخاص مولر الذي اتهم ١٢ ضابطا في الاستخبارات الروسية بالضلوع في التدخل بالقول ان تحقيقه كارثة. لا بل ان رفضه لمعلومات الاستخبارات الاميركية عن التدخل الروسي دفعت الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية جون برينان الى القول ان اداءه في هلسنكي ليس اقل من عمل خيانة. ولم يكن غريبا ان يعيد خصومه التذكير بان الرجل الذي ربح الانتخابات تحت عنوان اميركا اولاً عمل في القمة بذهنية اميركا ثانياً.


ومن الصعب أن يكون هؤلاء قد فوجئوا باداء ترامب ومواقفه. فلم يكن بين التوقعات أن يقرأ ترامب في الفورين افيرز مقال السفير الأميركي السابق في روسيا، مايكل ماكفول، وبالطبع أن يتبنى دعوته الى استراتيجية عظمى لمواجهة بوتين. وهي استراتيجية يعرضها ماكفول في كتاب سيصدر قريباً تحت عنوان من حرب باردة الى سلام ساخن ويرى الحاجة الى اتفاق الحزبين عليها من أجل احتواء نفوذ الكرملين الإقتصادي والعسكري والسياسي وتقوية الحلفاء الديمقراطيين. فما فعله ترامب على الطريق الى هلسنكي هو التهجم على حلفاء أميركا الديمقراطيين في أوروبا وكندا. وما حرص عليه في القمة هو استرضاء بوتين والتسليم بان روسيا قوة عالمية عظمى على المستوى نفسه مع أميركا.


ولا كان بين التوقعات أيضاً ان يطلب ترامب في القمة ما يطلبه أي رئيس أميركي نموذجي من رئيس روسي كما قالت سوزان رايس مستشارة أوباما لشؤون الأمن القومي في نيويورك تايمس: الانسحاب من اوكرانيا، اعلان ضم القرم غير شرعي، وقف دعم النظام السوري والعمل لحل ديبلوماسي يحمي حقوق كل السوريين وأمنهم، وقف دعم طالبان في افغانستان، انهاء الأعمال العسكرية الاستفزازية في محيط الناتو ومعها مضايقة الأميركيين في روسيا، تمديد معاهدة الخفض الاستراتيجي للسلاح النووي، الضغط على الديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ اون للخروج من التسلح النووي نهائياً، وانهاء التدخل الروسي في الإنتخابات الأميركية أو مواجهة عقوبات اضافية.


ذلك ان ما يراهن عليه ترامب هو علاقات جيدة مع بوتين. وهذا ما يراهن عليه بوتين أيضاً. لكن ما ينطبق على هذا الرهان هو حلمان في سرير واحد على حد المثل الفرنسي الشهير. ترامب يتصور ان الرئيس الروسي سيساعده في اخراج القوات الإيرانية والميليشيات الملحقة بها من سوريا، وبالتالي في تحقيق الاستراتيجية الأميركية التي عنوانها كبح النفوذ الايراني في المنطقة. ويتصور أيضاً ان بوتين في حاجة الى صفقة مع أميركا تتجاوز سوريا لتحقيق تسوية سياسية في سوريا. وبوتين يراهن على شراكة مع ايران في سوريا والعراق والقوفاز وآسيا الوسطى، وان ارضى ترامب ونتنياهو بابقاء القوات الإيرانية وقوات حزب الله على مسافة بعيدة من الحدود مع الأردن وخطوط فك الارتباط في الجولان مع سوريا. أما حاجته الى صفقة واسعة مع أميركا، فانه يعرف صعوبة ان يتمكن ترامب من الإقدام عليها وبين بنودها التسليم لروسيا بضم القرم والغاء العقوبات عليها.
والانطباع السائد هو ان بوتين الخبير تلاعب بترامب الساذج. وقمة التلاعب امتداح بوتين لترامب انه محاور جيد وخبير وسياسي لا مجرد رجل أعمال.

    قرأ هذا المقال   615 مرة
غلاف هذا العدد